للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القديس إلى نوعها، ولكني لا أستبعد أن تكون من الرجز، الذي يقال في المناسبات، في استنباط الماء، وفي حفر الآبار. أو رفع الأثقال، أو في بناء، وأمثال ذلك مما لا يزال مألوفًا، ويشاهد حتى بين أهل القرى. وإن كان بعضها ترانيم غير فنية ولا مصقولة، ولكنها ذات إيقاع على كل حال١.

ومن هذا القبيل الأشعار التي أنشدها العرب في انتصارهم على الرومان سنة ٣٧٢م، والتي أشار إليها المؤرخ "سوزومن" في كتابه "تأريخ الكنيسة"، فقد ذكر أن العرب كانوا ينشدون الشعر في قتالهم هذا مع الرومان٢. والواقع أننا لا نكاد نقرأ خبر معركة إلا ونجد الشعر فيها في مقدمة الأسلحة التي تستخدم فيها، وقد يسبق السيف في الضرب، حيث يخرج الفارس وهو يرتجز رجزًا يشيد بنفسه، وبقومه، مهونًا من أمر من سينازله ثم يقابله من يتبارى معه برجز آخر، يشيد فيه بنفسه، ردًّا على خصمه.

والشعر العبراني القديم نوعان: النوع المعد للترتيل، والنوع التعليمي. ومن النوع الأول المزامير، ومن النوع الثاني الأقسام الشعرية من كتب الأنبياء. والمزامير "Psalms" هي من أفصح الأشعار الدينية في التوراة، وهي تعبر عن الحس الديني عند الإنسان، وعن شعور البشر تجاه خالقهم، وهي تمجيد وحمد له، واعتراف بضعف الإنسان تجاه خالقه، فهو يرتل فيها حمد الله والثناء عليه. أما الأمثال والجامعة، وبعض أقسام كتب الأنبياء، فهي وإن كانت دينية في الأصل، إلا أنها وضعت لغايات تعليمية، لإرشاد الناس وتقديم النصح لهم.

ولا توجد القوافي والبحور في هذا الشعر، ومع أن بعض الأشعار العبرانية قد نظمت أحيانًا على الحروف الأبجدية، لكن أشطرها لم تتضمن عددًا مماثلا من المقاطع، ليتولد منها الوزن، أي النغم. وإنما نظمت على مقابلة الأفكار في الشطر الأول والثاني، أو في الشطرين الأولين والثالث، وقد يشرح فكر الشاعر على نوع مقابلة فكرين، إما لوجه المشابهة بينهما، وإما لوجه المخالفة بينهما. ومن أمثلة أوجه المشابهة:


١ غرونباوم"١٣٣وما بعدها".
٢ غرونباوم "١٣٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>