للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما فيها، ثم قال: دع ذا -رغبة عن المنسبة- فتبعوا أثره، وهو أول من شبه الخيل بالعصا، واللقوة والسباع والظباء والطير، فتبعه الشعراء على تشبيهها بهذه الأوصاف". وكان أول من بكى الديار١.

والشاعر المجيد عندهم من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام فلم يجعل واحدًا منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيمِلّّّّّّ السامعين، ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد"٢، "وليس لمتأخر الشعراء أن يخرج على مذهب المتقدمين في هذه الأقسام، فيقف على منزل عامر، أو يبكي عند مشيَّد البنيان، لأن المتقدمين وقفوا على المنزل الداثر، والرسم العافي، أو يرحل على حمار أو بغل ويصفهما، لأن المتقدمين رحلوا على الناقة والبعير، أو يَرِد على المياه العِذَاب الجواري، لأن المتقدمين وردوا على الأواجن الطوامي، أو يقطع إلى الممدوح منابت النرجس والآس والورد، لأن المتقدمين جروا على قطع منابت الشبح والحنوة والعرارة"٣.

وقد جعل علماء الشعر النسيب بابًا من أبواب الشعر، ودعاه بعضهم التشبيب، وجعل بعضهم الغزل بابًا من أبواب الشعر، بأن أدخل النسيب فيه٤. وطالما نجد الناس يخلطون بين الغزل والنسيب والتشبيب. والغزل في رأي بعض علماء اللغة اللهو مع الناس، وقيل محادثة النساء، وقيل: الغزل والنسيب هو مدح الأعضاء الظاهرة من المحبوب أو ذكر أيام الوصل والهجر أو نحو ذلك، وذكر بعضهم أن الغزل والنسيب والتشبب كلها بمعنى واحد، وقيل: إن النسيب والتشبيب، والغزل ثلاثتها متقاربة، ولهذا يعسر الفرق بينها حتى يظن أنها واحدٌ ٥. وذكر أن النسيب التغزل، وأن قول الرجل نسب الشاعر بالمرأة، بمعنى شبب بها في الشعر وتغزل وذلك في أول القصيدة، ثم يخرج إلى المديح، والنسب هو الغزل في الشعر والنسيب في الشعر، هو التشبيب فيه٦، والتشبيب: ذكر أيام الشباب واللهو والغزل، ويكون في ابتداء القصائد، وسمي ابتداؤها


١ الشعر والشعراء "١/ ٦٨"، دار الثقافة".
٢ الشعر والشعراء "١/ ٢١".
٣ الشعر والشعراء "١/ ٢٢".
٤ العمدة "١/ ١٢٠ وما بعدها".
٥ تاج العروس "٨/ ٤٣"، "غزل".
٦ تاج العروس "١/ ٤٨٣"، "نسب".

<<  <  ج: ص:  >  >>