للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو هلال العَسْكَرِيّ أغراض الشعر: المديح، والهجاء، والفخر، والغزل، وجعلها: المديح، والهجاء، والرثاء، والغزل، والوصف، في موضع آخر١.

ونلاحظ أن بعض هذه الأبواب مثل الفخر والمدح، والهجاء، عامرة، وبعضًا منها فقيرة، حتى لا نكاد نجد فيها مما يخص الشعر القصصي Epique غير نزر يسير، وفي هذا القليل ما هو مشكوك في صحته، وأما الشعر الديني الخاص بالأصنام والأوثان، فلا نجد منه في الشعر الواصل إلينا لا قطعة ولا قصيدة. ولا يعقل بالطبع ألا يكون للجاهليين شعر في هذا الباب، إذ كانوا يتوسلون ويلوذون بها ويتقربون إليها بالنذر، فلا يعقل ألا يكون لهم شعر في آلهتهم. ولا يعقل أيضًا قول من قال: إن الجاهلي رجل مادي، لم يحفل بالدين ولا بالمعاني الروحية ولا بالآلهة، وهو من أبعد الناس عن الدين والتدين، لذا لم يحفل بها في شعره. فلو كان الجاهلي على هذا النحو المذكور من الابتعاد عن الدين والتدين، لما تقرب إليها بالنذور وبالقرابين أحد، لورود ذكرها في النصوص الجاهلية، وفي القرآن الكريم، والذي أراه أن سبب عدم وصول شيء من الشعر الديني الوثني الجاهلي إلينا، لا يعود إلى تقصير الجاهليين في هذا الباب، بل إلى انصراف الرواة عنه، وامتناعهم من تدوينه بسبب الإسلام، لأنه من صميم ديانة أهل الجاهلية التي اجتثها الإسلام، إلا أن يكون ذلك الشعر من النوع الذي يتفق مع مبادئ الإسلام، أو لا يتعارض معها، فلم يجدوا غضاضة من روايته، ولذلك رووه.

وقد ذكر علماء الشعر "أن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدِّمن والآثار، فبكى وشكا، وخاطب الرِّبع، واستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سببًا لذكر أهلها الظاعنين، إذ كان نازلة العمد في الحلول والظعن على خلاف ما عليه نازلة المدر، لانتقالهم من ماء إلى ماء، وانتجاعهم الكلأ وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان، ثم وصل ذلك النسيب، فشكا شدة الوجد وألم الفراق، وفرط الصبابة والشوق، ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه". وذكر أن امرأ القيس أول من فتح الشعر واستوقف، وبكى في الدمن، ووصف


١ ديوان المعاني "١/ ٣١، ٩١"، حضارة الإسلام "٣٣٣".
٢ الشعر والشعراء "١/ ٢٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>