وقبل أن يتجرم القرن السادس، كانت وحدة اللغة واتساق الأسلوب، قد قطعا مرحلة واسعة نحو التبلور. وقد تداخلت هذه المدارس عن طريق تجمع المفردات وتوارد الصور الشعرية، لكن هذا التطور لم يتسع فيشمل جماعات الشعراء التي عاشت إلى جانب التيار الرئيسي الذي جرى فيه الشعر العربي. وأهم مدارس هذا العصر المتأخر هي مدرسة الشعراء الهذليين التي برزت آثارها ما بين سنة ٥٥٠- ٧٠٠م. وكان من الموضوعات التي اختصت بها هذه الجماعة وصف النحل والعسل. ومثل هذه الأوصاف قد استتبعت ضربًا من الخصوبة في مشاهد الطبيعة لاسيما حيث ألحت بالشاعر الرغبة في جمع العسل البري.
ويشتمل ديوان الهذليين على قصائد كثيرة لأفراد ما نظموا الشعر إلا لمامًا. ولا بد ههنا من التأكيد أنه كان إلى جانب الشعراء المحترفين، عدد عظيم من الشعراء الهواة والذين عمدوا، بين الفَيْنَةِ والفينة، إلى التعبير بالشعر عن عواطفهم ورغباتهم. وهذا يعلل لنا ما نجده دائمًا من أبيات هي من حيث التأريخ وليدة عصر واحد، لكنها ليست كذلك من حيث درجة الإتقان. فشعر غير المحترفين يغلب أن يكون دون شعر المحترفين بنحو من جيل على أقل تقدير. ولما لم تكن هذه الظواهر قد أخذت حتى الآن بالاعتبار الكافي، فقد ساعد ذلك على استمرار الاعتقاد بجمود الشعر القديم في سياقه الموحد. وقد بقي في مؤخرة الركب -لكن ثقافيًّا لا فنيًّا- الرجز الذي هو أقرب إلى الأدب الشعبي. على أن الفاصل ما بين الرجز والقَرِيض -وهو الشعر بالمعنى المعروف- قد ظل حادًّا إلى عهد متأخر جدًّا"١.
وبعد، فهناك مسائل تتصل بتطور الشعر الجاهلي أرى أن من المستحيل حلها في الوقت الحاضر، لعدم وجود أدلة علمية مقبولة يمكن أن يركن إليها لحل ما عندنا من عقد مستعصية، مثل نشأة وتطور الشعر العربي، وكيف نشأت القصيدة، وعدد الأوزان والبحور العروضية التي سار عليها الجاهليون في وزن الشعر، والتزام القافية أو عدم التقيد بها في الشعر، ومتى نشأت القصيدة، ثم هل كانت لغة الشعر لغة واحدة، خاصة كما نراها في الشعر الجاهلي المدون، أم لم تكن، وإنما كان الشعراء ينظمون بلهجاتهم من الوجهة اللفظية والنحوية والصرفية، ولكن علماء