ومن تأثر بالحضارة العربية الجديدة التي ظهرت في البلاد المفتوحة بآراء مستجدة، وظهرالتجديد في الشعر العربي وابتعد بذلك عن أسلوب الشعر الجاهلي.
ويتوقف طول الشعر وقصره على نَفْسِ الشاعر، أي على الظروف النفسية التي تحيط بالشاعر حين ينظم شعره، وبالمؤثرات التي أثرت عليه. وقد سئل أبو عمرو بن العلاء "هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم ليسمع منها. قيل: هل كانت توجز؟ قال: نعم ليحفظ عنها. ويستحب عندهم الإطالة عند الإعذار والإنذار والترغيب والترهيب والإصلاح بين القبائل كما فعل زهير والحارث بن حِلِّزة ومن شابههما، وإلا فالقطع أطير في بعض المواضع والطوال للمواقف المشهورة"١.
وقد ذهب "غرونباوم" إلى إمكانية تقسيم الشعر الجاهلي إلى مدارس أدبية متميزة، جعلها ستة مدارس أو اتجاهات أو مذاهب بتعبير أصح. تضم الشعراء الذين ولدوا ما بين سنة ٤٤٠ و٥٣٠م على وجه التقريب. "وليس معنى هذا أنه ليس هنالك شعراء تتجافى طبيعتهم نفسها عن مثل هذا التقسيم وتشذ عنه. فإن الشاعرين الصعلوكين الشهيرين تَأَبَّطَ شرًّا والشَّنْفَرَى، هما الْمِثْلان البارزان على مثل هذا المواهب الفردية. ولعل من أمتع الأمور، ما يتجلى في آثار تلك الفئة من الشعراء، الذين عاشوا في بلاط الحيرة، من مظاهر الحضارة الساسانية. فأبو دؤاد الإيادي حوالي "٤٨٠- ٥٥٠م" والشاعر النصراني عدي بن زيد حوالي "٥٤٥- ٥٨٥م" يتجلى في شعرهما خليط من العقلية البدوية والتفكير الحضري. وطرفة "حوالي ٥٣٥- ٥٣٨م" وكذلك الأعشى، ينقلان إلى العراق سياقًا فنيًّا آخر لمدرسة أخرى ينتمي أعلامها إلى قبيلة قيس بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل؛ هذا وليس من شك في أن الأعشى هو أكبر مالك لأزمة اللغة بين شعراء الجاهلية، وأن المشاهد البهجة في قصائده تنم عن تأثير الشعراء الساسانيين. ثم إن امرأ القيس بن حجر الأمير الكندي "حوالي ٥٠٠- ٥٤٠م" أشهر شعراء العرب الجاهليين وأبعدهم أثرًا، قد كان نظير طَرَفَة، صاحب إحدى القصائد النموذجية المعروفة بالمعلقات. ومعاصره عبيد بن الأبرص يمثل قمة مدرسة أخرى من هذه المدارس.