للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في موضع آخر من هذا الجزء من الكتاب، كما كانوا قد طوروا الرجز وتفننوا فيه. وقد أدى ظهور الإسلام إلى إحداث تغير في نمط نظم القصائد، لأن الإسلام حدث تأريخي جاء برأي في شئون الحياة جديد، فكان لا بد للشعراء من مجاراة هذا التيار الفكري، لا سيما بعد خروج العرب من جزيرتهم وانتشارهم في أرضين جديدة غنية، وحكمهم لأقوام كانت لهم حضارة، فكان لا بد من تأثر النفس بالوضع الجديد، والشعر تعبير عن النفوس والأحاسيس.

والقافية من الشعر الذي يقفوا البيت، سميت قافية لأنها تقفوه، أو لأن بعضها يتبع أثر بعض. وقيل: هي آخر كلمة في البيت، أو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وهو المسمى رويًّا. وعرف الخليل القافية بقوله: "القافية من آخر حرف ساكن فيه، أي في البيت، إلى أول ساكن يليه مع الحركة التي قبل الساكن"١. وأرى أن هذا التعريف قد أخذه الخليل من أهل الكتاب. فالقافية بهذا التعريف تقابل Maqqeph "مقف" "مقيف" عند العبرانيين٢، و"المقيفات" هي التي تحدد الشعر، وتجعل من الكلام المؤلف من "مقيفات" شعرًا، ولا يستبعد استعمال الجاهليين لهذا المصطلح استعمال العبرانيين والسريان له، لما دوَّن الخليل علم العروض أخذ هذا المصطلح منهم، ودليل ذلك ورود لفظة "قافية" و"القوافي" في الشعر قبل أيام الخليل٣، ثم اختلاف العلماء وتباين آرائهم في معنى القافية٤.

ويذكر أهل الأخبار أن مهلهل بن ربيعة، وهو خال امرئ القيس الشاعر، وجد عمرو بن كلثوم هو أول من قصد القصائد. وقد قال الفرزدق فيه:

ومهلهل الشعراء ذاك الأول٥

فهو أول شعراء القصائد، وهو متقدم على امرئ القيس.


١ تاج العروس "١٠/ ٣٠٠"، "قفو".
٢ Hastings, p, ٧٣٧.
٣ تاج العروس "١٠/ ٣٠٠"، "قفو".
٤ نزهة الجليس "١/ ١٢٠".
٥ العمدة "٨٧"، الشعر والشعراء "١٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>