ويرى "فون غرونباوم" أن الشعراء حرصوا منذ حوالي السنة ٥٠٠م على التصريع في المطلع، ثم التزام قافية واحدة في جميع أبيات القصيدة، من أولها إلى آخرها، بحيث يسوغ القول: إن القافية الواحدة أدل على وحدة القطعة الشعرية من المعاني الواردة فيها.
"ويتجلى في أقدم المحفوظ من الشعر العربي تنويع عظيم في الوزن، وصقل بارع في التعبير اللغوي. وهذا يعني أنه كان قد نشأ، قبل ذلك، مذهب شعري ينص على التنويع والصقل المشار إليهما. وأخذت الأقطار المختلفة تؤثر أوزانًا مختلفة، ويكاد يكون من المرجح أن الفرس قد تركوا، في شعر الأقدمين من شعراء العراق، تأثيرًا بالغًا في الطريقة الفنية. فهنالك وزنان على الأقل، امتاز بهما هؤلاء الشعراء هما الرمل والمتقارب، وربما زدنا إليهما الخفيف. ويبدو أنها جميعًا اقتبست من أصول فارسية بهلوية، وحورت بما يلائم الأوضاع العربية.
وربما كان للسريان فضلٌ ما في وضع المصطلحات الفنية الأولى مثل كلمة "البيت" أي "الخيمة" لتدل على الوحدة الجزئية من القصيدة. لكن كان لنظرية الفن العروضي، على العموم نشأة مستقلة، فالخليل بن أحمد "ت١٧٥هـ- ٧٩١م"، وضع قواعد العروض العربي بعد ذلك بزمن طويل، وقد بقيت قواعده معتمد الأدباء عبر القرون. فقد أقر الخليل ستة عشر وزنًا، واطرح بعض الأوزان الهزيلة التي كان القدماء قد استنبطوها. ثم إنه جرى على طريقة، جرى عليها النحاة من بعد في الرمز إلى صيغة اللفظة، فأشار إلى وحدة الإيقاع الشعري بصيغة مشتقة من فعل"١.
وقد تكلف الناس كثيرًا، وحملوا أنفسهم حملا ثقيلا، باعتذارهم عن أمور متكلفة وردت في شعر زعم أنه كان للقدماء من الشعراء، فالتصريع مثلا، إذا كثر استعماله في القصيدة دل في نظر العلماء بالشعر على التكلف، إن كان من المحدثين، أما إذا كان من المتقدمين، لا يعد متكلفًا في نظرهم، واعتذروا عنه بأنه جرى على عادة الناس، لئلا يخرج عن المتعارف. ومن هذا القبيل التصريع المنسوب إلى امرئ القيس: