للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرف الخليل بسعة علمه باللغة، وإليه ينسب وضع أول معجم في اللغة العربية، هو كتاب "العين". وقد نظمت حروفه على ما يخرج من الحلق واللهوات١. وهو ترتيب يرى بعض المستشرقين احتمال أخذ الخليل له من ترتيب الأبجدية السنسكريتية وذلك عن طريق "خراسان" التي لها صلة وثيقة بثقافة الهند٢. وقد نسب بعض العلماء كتاب العين إلى غيره، نسب إلى الليث بن نصر بن سيار الخراساني، ومنهم من زعم أن الخليل عمل قطعة من كتاب العين من أوله إلى حرف الغين وكمله الليث ولهذا لا يشبه أوله آخره٣.

وقد كان للهنود حب شديد للشعر، وقد نظمت كتبهم الدينية شعرًا، وقد أدرك البيروني الواسع الاطلاع بأحوال الهند هذا الحب الشديد له، فقال: "أكثر الهنود يهترون لمنظومهم ويحرصون على قراءته، وإن لم يعرفوا معناه، ويفرقعون أصابعهم فرحًا به، واستجادة له، ولا يرغبون في المنثور وإن سهلت معرفته". وقد كانوا يزنون شعرهم بميزان، فـ"عملوا من التفعيلات قوالب لأبنية الشعر، وأرقامًا للمتحرك منها والساكن، يعبرون بها عن الموزون، فكذلك سمى الهند لما تركب من الخفيف والثقيل" أسماء يشيرون بها إلى الوزن المفروض٤. فإذا كانت للهنود تفعيلات وزنوا بها شعرهم، وهي أقدم عهدًا من تفعيلات الخليل، أفلا يجوز أن يكون الخليل قد اقتبس تفعيلاته من تلك التفعيلات، وبين الهندي و "الإبلة" التي حلت البصرة محلها في الإسلام اتصال جد قديم، وقد كان بين سكانها عدد كبير جاءوا قبل الإسلام من الهند.

وحيث إن العلماء ينصُّون على أن الخليل، هو موجد البحور المعروفة في العروض، وهو وازنها، وحيث إن أساس المعايير التي قيست بها الأبيات، للوقوف على البحور هي "فعل" فيجب أن تكون هذه التسمية من ابتكاراته إذن. ولم أجد أحدًا وضح كيف اهتدى الخليل إلى إيجاد هذا المعيار، ولِمَ


١ الفهرست "٧٠ وما بعدها".
٢ John A. Haywood, Arabic Lexicography, p. ٨..
٣ القِفْطِي، إنباه الرواة "١/ ٣٤٣"، المزهر "١/ ٧٦".
٤ البيروني، تحقيق ما للهند من مقولة "٦٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>