للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهلهل على غيره، ويرون أنه مفتق الشعر ومهلهله، وأول من قصد القصائد١، وأهل اليمن يرون تقدمة الشعر لليمن، يزعمون أنه بدأ في الجاهلية بامرئ القيس، وفي الإسلام بحسان بن ثابت، وفي المولدين بالحسن بن هانئ، وأصحابه: مسلم بن الوليد، وأبي الشيص، ودعبل، وكلهم من اليمن، وفي الطبقة التي تليهم بالطائيين: حبيب، والبحتري، ويختمون الشعر بأبي الطيب، وهو خاتمة الشعراء لا محالة، ويرجعون نسبه إلى اليمن٢.

قال ابن رشيق في "العمدة": "والشعراء أكثر من أن يحاط بهم عددًا، ومنهم مشاهير قد طارت أسماؤهم، وسار شعرهم، وكثر ذكرهم، حتى غلبوا على سائر من كان في أزمانهم، ولكل أحد منهم طائفة تفضله وتتعصب له، وقل ما يجتمع على واحد، إلا ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في امرئ القيس: "أنه أشعر الشعراء ... "٣.

وكان علماء البصرة يقدمون امرأ القيس، أما أهل الكوفة فكانوا يقدمون الأعشى، وأما أهل الحجاز والبادية، فقدموا زهيرًا والنابغة. وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدًا، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدًا. وهذا ما أتت به الرواية عن يونس بن حبيب النحوي٤.

ولكنك إذا تتبعت وأحصيت ما قيل على ألسنة أهل البصرة أو الكوفة أو الحجاز من أقوال، ترى تناقضًا بين هذه الرواية وبين ما حصلت عليه من دراسة تلك الأقوال، تناقضًا ينبئك أن هذا المروي، هو وجهات نظر وآراء أشخاص، ولا يمثل إجماع أهل الكوفة، أو إجماع أهل البصرة ولا إجماع أهل الحجاز، أو إجماع أهل البادية، ثم هو كله آراء وردت في الإسلام، وإن حاولت إرجاع أصلها إلى الجاهلية.

ويذكر من يقدم امرأ القيس على غيره، أن الرسول ذكره يومًا، فقال: "ذلك رجل مذكور في الدنيا، منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة وبيده


١ العمدة "١/ ٨٦ وما بعدها"، "باب تنقل الشعر في القبائل".
٢ راجع رأي علماء الشعر في أصل نسب المتنبي، العمدة "١/ ٨٩ وما بعدها".
٣ العمدة "١/ ٩٤"، المزهر "٢/ ٤٧٨".
٤ ابن سلام، طبقات "١٦"، العمدة "١/ ٩٨"، المزهر "٢/ ٤٨٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>