للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمر قد نهى الشعراء عن ذكر النساء في أشعارهم، لما في ذلك من الفضيحة، وكان الشعراء يكَنُّون عن النساء بالشجر وبالنخلة، لئلا تشهر المرأة، وخوفًا من أهلها وقرابتها١.

أما الشعر الآخر، الذي لم يكن ينال الناس، ولا يتذكر الأصنام والأوثان وأمور الجاهلية التي حرمها الإسلام، فلم يتعرض له الإسلام بسوء، بل كان الرسول نفسه يسمع الشعر، ويطلب من الصحابة إنشاده له، وقد ورد أن الرسول سمع عمرو بن كُلْثُوم، وهو بعكاظ ينشد معلقته الشهيرة٢، وسمع شعر أمية بن أبي الصَّلت كما تحدثت عن ذلك في موضع آخر، واستمع إلى شعر قيس بن الخطيم، وإلى شعر شعراء آخرين، وكان يستملحه ويستعذبه، ولا سيما شعر الحكمة والإرشاد. "جاء النابغة الجعدي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل معك من الشعر ما عفا الله عنه؟ قال: نعم. قال: أنشدني منه، فأنشده:

وإنا لقوم ما نعوِّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا

فلما أنشده قوله:

ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

قال رسول الله: "لا فضَّ الله فَاك" ٣.

ومن سيماء اهتمام الإسلام بأمر الشعر، أن الشعر الجاهلي إنما دون وثبت في أيامه، وأن الصحابة كانوا يحفظونه ويروونه، وأن دواوينه، إنما ظهرت في أيام الأمويين. فلم يحرِّم الإسلام الشعر، ولم يظهر كرهه له، وإنما كره الشعر الوثني الذي مَجَّد الوثنية، فطرح ولم يروَ، ولعل هذا هو السبب الذي يجعلنا، لا نقرأ في كتب الأدب والأخبار شعرًا فيه إشادة بصنم، أو بأمر من أمور


١ الخزانة "٢/ ١٩٣ وما بعدها".
٢ الأغاني "٩/ ١٧١ وما بعدها"، "ساسي"، "١١/ ٥٤".
٣ رسائل الجاحظ "١/ ٣٦٣ وما بعدها"، "كتاب فصل ما بين العداوة والحسد".

<<  <  ج: ص:  >  >>