للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهلية المناهضة للإسلام. وقد روي عن النبي قوله: "إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمة، أو قال: حكما"١، وأنه أمر حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك بهجاء قريش. وأنه قال لحسان: "اهجوا قريشا، فإنه أشد عليها من رشْقِ النَّبْل"٢.

وقد اعتذر العلماء عن سبب نفي الشعر عن الرسول، بأن الشاعر، لا يكاد يكون إلا مادحًا ضارعًا، أو هاجيًا ذا قذع، وهذه أوصاف لا تصلح للنبي، ثم إن فيه إيقاعًا، والإيقاع ضرب من الملاهي، ومنها لم يصلح الشعر للرسول٣. وقد بحث القرطبي في موضوع نفي الشعر عن الرسول، فرجع ذلك إلى أربع مسائل: الأولى: أنه كان لا يقول الشعر ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلا كسر وزنه، وإنما كان يحرز المعاني فقط، وذلك ردًّا لقول من قال من الكفار: إنه شاعر، وإن القرآن شعر. وقد كان ربما أنشد البيت المستقيم في النادر٤.

الثانية: إصابته الوزن أحيانًا لا يوجب أنه يعلم الشعر، وكذلك ما يأتي أحيانًا من نثر كلامه ما يدخل في وزن، كقوله يوم حنين وغيره:

هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت

وقوله:

أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب

فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن، وفي كل كلام، وليس ذلك شعر ولا في معناه، كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، وقوله: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} ، وقوله: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} إلى غير ذلك من الآيات٥.


١ الصَّاحبي "٢٧٤".
٢ السيوطي، شرح شواهد "٢/ ٨٥٢".
٣ المزهر "٢/ ٤٦٩ وما بعدها".
٤ تفسير القرطبي "١٥/ ٥١ وما بعدها".
٥ تفسير القرطبي "١٥/ ٥٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>