للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك رواية أخرى مشابهة لرواية حماد عن تعليق المعلقات، يرجع سندها إلى ابن الكلبي، هذا نصها: "قال ابن الكلبي المتوفى سنة ٢٠٤ وقيل سنة ٢٠٦: أول شعر علق في الجاهلية شعر امرئ القيس، علق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم حتى نظر إليه، ثم أحدر فعلقت الشعراء ذلك بعده، وكان ذلك فخرًا للعرب في الجاهلية، وعدوا من علق شعره سبعة نفر، إلا أن عبد الملك طرح شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة"١. "وزاد بعضهم أنهم كانوا يسجدون لها كما يسجدون لأصنامهم"٢. ولابن الكلبي زعم آخر له علاقة بهذا الموضوع، فقد ذكر أنه كان يقول: "كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة، ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى، وتأريخ نسبهم، من كتبهم بالحيرة"٣.

فنحن إذن أمام رجلين يرجع إليهما خبر وجود تدوين للشعر الجاهلي، كان أحدهما من أمرس الناس بالشعر الجاهلي، وكان ثانيهما من أشهر رجال الأخبار. ولا نعرف أحدًا تقدم عليهما زعم هذا الزعم، أو ادَّعى هذه الدعوى! ثم إننا لا نجد في مؤلف من المؤلفات الإسلامية التي وصلت إلينا ما يفيد أن أحدًا قد نقل شيئًا من مدون جاهلي، أو قرأ فيه، خلا ما ورد عن ابن الكلبي من أنه كان يستخرج أنساب آل نصر وتأريخ من حكم منهم ومدد أعمارهم وما إلى ذلك من بيع الحيرة٤.

ولا يعقل بالطبع تصور انفراد حماد وحده بمعرفة أمر ديوان النعمان بن المنذر، دون سائر الرواة وعشاق الشعر، وبينهم من كان لا يقل حرصًا ولا تتبعًا له عن حمَّاد. ولا يعقل أيضًا تصور بلوغ الحرص والأنانية بآل مروان درجة جعلتهم يضنون حتى بالتلويح أو بإراءة ذلك الديوان الجاهلي بعضهم بعضًا. ولو كان عند آل مروان ذلك الديوان حقًّا، لافتخروا بوجوده لديهم، ولعرضوه على الناس، ولأخذوا منه الشعر القديم، ولما استعانوا بالرواة من حماد وأمثاله ليروون لهم الشعر الجاهلي وليجمعوا لهم ذلك الشعر، وحماد نفسه شاهد على ذلك


١ الرافعي، تأريخ آداب العرب "٣/ ١٨٧ وما بعدها".
٢ الرافعي، تأريخ آداب العرب "٣/ ١٨٦".
٣ تأريخ الطبري "٢/ ٣٧".
٤ تأريخ الطبري "٢/ ٣٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>