للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث كانوا يستدعونه من العراق ليسألوه أمر شعر، خفي عليهم، أو شعر لا يعرفون عنه شيئًا، ثم كيف يسكت رواة أهل الكوفة عن هذا الديوان، فلا يشيرون في أخبارهم ورواياتهم إليه، ولا يلحقون به سندهم في روايتهم للشعر؟ قال ابن النديم: "قال أبو العباس ثعلب: جمع ديوان العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وردّ الديوان إلى حماد وجناد"١، فلو كان لدى آل مروان ديوان جاهلي قديم، فهل يعقل ترك الوليد ذلك الديوان وذهابه إلى حماد وجناد يستعين بما عندهما من دواوين شعر، أو من ديوان شعر ليجمع له ديوانًا بأشعار القدماء، فلما جمع له ديوانًا من ديواني حماد وجناد أعادهما عليهما! ولو فرضنا أنه كان قد استعان بهما، لأنهما كانا قد جمعا شعر شعراء لم يكن عنده شعرهم، فإن الرواة ما كانوا ليسكتوا هذا السكوت المطبق عن ذلك، ولقالوا على الأقل إنه قد كان عنده ديوان شعر جاهلي، لكنه لم يكن تامًّا، يضم كل أشعار الجاهليين، فاستعان بهما لسد هذا النقص. ولو كان ديوان حماد أو ديوان جناد من دواوين أهل الجاهلية، لما سكت العلماء عن ذلك، ولما سكت حماد نفسه، أو جناد من التنويه به، لما لهذا التنويه من أهمية بالنسبة لهما، ولإثبات أنهما كانا صادقين في رواية الشعر، وأنهما استقيا الشعر من منابع أصيلة لا يرتقي إليها الشك.

ثم إنه لو كان لحماد أو غيره من أهل الكوفة ديوان جاهلي، أو أن أهل الكوفة كانوا قد وقفوا على ديوان النعمان بن المنذر أو على كتب من كتب أهل الحيرة في الشعر أو في التواريخ والأخبار، لما سكتوا عن ذلك أبدًا، ولأسندوا روايتهم إلى تلك المدونات، ردًّا بذلك على أهل البصرة الذين اتهموهم بالافتعال وبنحل الشعر على ألسنة الشعراء الجاهليين، وبأخذهم من أفواه أعراب لا يطمئن إليهم، على الأقل.

إن سكوت الرواة وعلماء الشعر عن أمر هذا الديوان، واقتصار خبر وجوده على روايات حماد، يحملنا هذا السكوت الغريب، على الشك في هذا المروي عنه وعلى التريث ولو مؤقتا في تصديقه، حتى يقوم دليل جديد مقنع بوصول شيء من مكتوبات أهل الحيرة إلى الإسلاميين يمكننا من إبداء رأي علمي واضح في هذا الموضوع.


١ الفهرس "١٤٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>