للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سكتت كل الأخبار التي تحدثت عن طنوج النعمان بن المنذر، عن الجهة التي دخل الديوان في ملكها. كما سكتت عن مصيره النهائي. فأين ذهب يا ترى ذلك الديوان؟ ولِمَ لَمْ ينقل منه أحد؟ ولِمَ لم يُشِرْ إلى وجوده شخص آخر غير حماد؟

ولم أعثر حتى الآن على خبر يفيد علم أحد من المتقدمين على حماد بوجود ديوان شعر جاهلي مدوَّن، ولا بنقل أحد من الرواة وبضمنهم حماد نفسه من هذا الديوان أو من ديوان آخر يعود تأريخه إلى أيام الجاهلية. مع أن بين عشاق الكتب من كان يقتني الكتب والقراطيس القديمة، ويتهالك ويستهتر في المحافظة عليها وفي العناية بها، وبينهم من كان يملك ما شاء الله منها. وقد قص ابن النديم الورَّاق المتهالك في البحث عن الكتب قصصًا عن القراطيس والكتب القديمة وعن استهتار الناس بجمع الخطوط العتيقة، ولم يشر إلى عثوره هو أو غيره على صفحة واحدة مكتوبة قبل الإسلام في الشعر أو في النثر. ولو كان قد سمع بهذه الأوراق، لما تركها تمر سبيلها، فلا يراها أو يسمع عنها ممن وقف عليها ورآها على الأقل١. نعم: ذكر أنه "كان في خزانة المأمون كتاب بخط عبد المطلب بن هاشم في جلد أدم فيه ذكر حق عبد المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان ابن فلان الحميري من أهل وزل صنعا، عليه ألف درهم فضة كيلا بالحديدة، ومتى دعاه بها أجابه شهد الله والملكان. وكان الخط شبه خط النساء"٢. وهو خبر تظهر عليه آثار الصنعة، والوضع.

وقد يكو خبر الديوان، وخبر الطنوج من مفتعلات حماد وابن الكلبي، لإظهار سبب تفوق أهل الكوفة على أهل البصرة بالعلم بالشعر، كما يظهر ذلك جليًّا من نص الخبر، وهو "ومن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة٣ ولإظهار سبب تفوق ابن الكلبي على غيره من أهل الأخبار في رواية أخبار ملوك الحيرة، غير أني لا أستبعد مع ذلك وجود دفاتر وكتب في خزائن ملوك الحيرة وفي قصورها وكنائسها، قد كان فيها شعر ونثر وأخبار


١ الفهرست "٦٧"، "المقالة الثانية من كتاب الفهرست".
٢ الفهرست "ص١٣ وما بعدها"، "الكلام على القلم العربي".
٣ الخصائص "١/ ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>