للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومراسلات وسجلات بالأموال وما شابه ذلك لوجود حكومي عندهم تولاه عدي بن زيد، ووجود علماء ورجال دين عندهم ألَّفوا الكتب في أمور الدين وفي العلوم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، لكنها تلفت وهلكت بسبب الأحداث التي وقعت في الحيرة أيام الفتح الإسلامي لها، وارتحال الناس عنها وفي جملتها رجال الدين، وتهدم كنائسها وبيوتها بسبب نقل حجارتها إلى الكوفة لبناء بيوتها بها، مما سبب تلف تلك المدونات المكتوبة على أدم وقراطيس سهلة التلف، والتي لا يمكن لها مقاومة مثل هذه الأحداث. ولا يستغرب ذلك، فقد تلفت نسخ القرآن الأولى مثل نسخة حفصة بنت عمر، ونسخة عثمان وهلكت رسائل الرسول وكتبه على أهميتها، وذهبت الصحف القديمة التي دون بها الحديث أو سيرة الرسول، وغير ذلك، في أيام الراشدين وبني أمية، فهل يستغرب بعد ذلك ذهاب ما دوِّن في أيام ملوك الحيرة وانطماس أثره!

وقد تعرض بروكلمن لموضوع تدوين الشعر أو عدم تدوينه عند الجاهليين، فقال: "ومن ثم يعد خطأ من مركليوث وطه حسين أن أنكرا استعمال الكتابة في شمال الجزيرة العربية قبل الإسلام بالكلية، ورتبا على ذلك ما ذهبا إليه من أن جميع الأشعار المروية لشعراء جاهليين مصنوعة عليهم، ومنحولة لأسمائهم.

ولكن بديهيًّا أن الكتابة لم تقضَ قضاءً كليًّا على الرواية الشَّفوية. فقد كان لكل شاعر جاهلي كبير على وجه التقريب راوية يصحبه، يروي عنه أشعاره، وينشرها بين الناس، وربما احتذى آثاره الفنية من بعده، وزاد عليها من عنده وكان هؤلاء الرواة يعتمدون في الغالب على الرواية الشفوية ولا يستخدمون الكتابة إلا نادرًا.

وعن الرواة كانت تنتشر الدراية بالشعر في أوساط أوسع وأشمل، بعد أن يذيع في قبيلة الشاعر نفسه. ولهذا لم يمكن التحرز عن السقط والتحريف، وإن لاحظنا أن ذاكرة العرب الغضة في الزمن القديم كانت أقدر قدرة لا تحد على الحفظ والاستيعاب من ذاكرة العالم الحديث"١.

وقد تعرض المستشرق "كرنكو" لموضوع الكتابة والتدوين عند العرب، وقد ذهب إلى أن نظم الشعر مرتبط بالكتابة، بدليل أن بعض القوافي تظهر حقيقتها


١ بروكلمن "١/ ٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>