للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الشاعر الخبير بدروب الشعر وفنونه، شهادة كافية على ما كان لرواة الشعر من أثر في رواية الشعر، غير أن منهم من كان يحسن الشعر ويقومه، ذكر عن "ابن مقبل" قوله: "إني لأرسل البيوت عوجًا، فتأتي الرواة بها قد أقامتها"١.

وقد تحدث "الجاحظ" عن رواة الشعر في أيامه، وعن ألوان الشعر التي كان الرواة يبحثون عنها، فقال: "وقد أدركت رواة المسجديين والمربديين ومن لم يرو أشعار المجانين ولصوص الأعراب، ونسيب الأعراب، والأرجاز الأعرابية القصار، وأشعار اليهود، والأشعار المنصفة، فإنهم كانوا لا يعدونه من الرواة. ثم استبردوا ذلك كله ووقفوا على قصار الحديث والقصائد، والفقر والنتف من كل شيء. ولقد شهدتهم وما هم على شيء أحرص منهم على نسيب العباس بن الأحنف، فما هو إلا أن أورد عليهم خلف الأحمر نسيب الأعراب، فصار زهوهم في شعر العباس بقدر رغبتهم في نسيب الأعراب. ثم رأيتهم منذ سنيات، وما يروي عندهم نسيب الأعراب إلا حدث السن قد ابتدأ في طلب الشعر، أو فتياني منعزل.

وقد جلست إلى أبي عبيدة، والأصمعي، ويحيى بن المنجم، وأبي مالك عمرو بن كركرة مع من جالست من رواة البغداديين، فما رأيت أحدًا منهم قصد إلى شعر في النسيب فأنشده، وكان خلف يجمع ذلك كله.

ولم أرَ غاية النحويين إلا كل شعر فيه إعراب. ولم أرَ غاية رواة الأشعار إلا كل شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج إلى الاستخراج. ولم أرَ غاية رواة الأخبار إلى كل شعر فيه الشاهد والمثل"٢.


١ مجالس ثعلب "٤٨١".
٢ البَيَانُ والتَّبْيينُ "٣/ ٢٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>