للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عناية فائقة بالشعر الجاهلي، فقد كان "معاوية" كما ذكرت يحفظ كثيرًا من ذلك الشعر، وينقب عنه، وكان يسأل من يجد فيه العلم عنه، حتى زعم أنه ذكر قصيدتي عمرو بن كلثوم والحارث بن حِلِّزةَ اليَشْكُرِيّ، وقال: "كانتا من مفاخر العرب، وكانتا معلقتين بالكعبة دهرًا"١. وزعم أن بني أمية "كانوا ربما اختلفوا وهم بالشأم في بيت من الشعر، أو خبر، أو يوم من أيام العرب، فيبردون فيه بريدًا إلى العراق":٢، وأنهم كانوا يسألون الوافدين عليهم من سادات القبائل ومن الأعراب ومن العارفين بالشعر عن الشعراء، وقد يذكرون بيتًا أو شعرًا حفظوه لا يدرون اسم قائله، فكانوا يستفسرون عن قائله، وعن المناسبة التي قال الشاعر شعره فيها، ويحسنون جائزة من له علم بالشعر والأخبار٣.

وكان عبد الملك بن مروان من العلماء بالشعر الجاهلي، قيل إنه كان يمتحن الناس به، ومنهم الحجاج بن أبي يوسف الثقفي٤. وقد ذكر أنه استدعى إليه عامر بن شراحيل الشعبي، ليحدثه عن الحلال والحرام، وعن أشعار العرب وأخبارهم، وكان الشعبي من ذلك الطراز البارع في الشعر وفي أخبار العرب وفي الحلال والحرام٥، وروي أن عبد الملك كان قد طرح أربعة من شعراء المعلقات، وأثبت مكانهم أربعة٦، وإذا صح هذا الخبر دل على وجود القصائد المسماة بالمعلقات في ذلك العهد.

وروي أنه كان يقول: إذا أردتم الشعر الجيد، فعليكم بالزرق من بني قيس بن ثعلبة، وبأصحاب النخيل من يثرب، وأصحاب الشعف من هذيل٧. ويظهر أنه كان من المعجبين بشعر الأعشى، روي أنه قال لمؤدب ولده: "أدبهم برواية شعر الأعشى فإنه لكلامه عذوبة"٨. والأعشى هو من بني قيس بن ثعلبة،


١ الخزانة "٣/ ١٦٢"،
٢ العسكري، التَّصحيف والتَّحريف "٤".
٣ الأغاني "٣/ ٩١".
٤ ياقوت، إرشاد "١/ ٢٧"، الأمالي، للقالي "١/١٥".
٥ إرشاد "١/ ٩٦ وما بعدها"، الخزانة "٢/ ٢٥٠"، "هارون".
٦ الخزانة "١/ ٦١"، الخزانة "١/ ٢٨٨"، "بولاق".
٧ العِقْدُ "٦/ ١٢٤".
٨ جمهرة أشعار العرب "٦٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>