للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعادين متنافسين، فقد جمع بين جرير، والفرزدق، والأخطل، في مجلس واحد، وذكر أنه سأل أعرابيًّا شاعرًا عن أهجى بيت في الإسلام، وعن أرق بيت في الإسلام، فأشار إلى أبيات لجرير، وفضل جريرًا عليهما، فأيده عبد الملك في هذا الرأي١.

وقد وصف عامر الشعبي، "عبد الملك بن مروان" وصفًا يدل على شدة إعجابه به؛ إذ يقول في وصفه له: "فلما فرغ من الطعام وقعد في مجلسه واندفعنا في الحديث، وذهبت لأتكلم، فما ابتدأت بشيء من الحديث إلا أستلبه مني فحدث الناس به، وربما زاد فيه على ما عندي، ولا أنشدته شعرًا إلا فعل مثل ذلك. فغمّني ذلك، وانكسر بالي له، فما زلنا على ذلك بقية نهارنا، فلما كان آخر وقتنا التفت إلي وقال: يا شعبي، قد والله تبينت الكراهية في وجهك لما فعلت، وتدري أي شيء حملني على ذلك؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: لئلا تقول: لئن فازوا بالملك أولا لقد فزنا نحن بالعلم، فأردت أن أعرفك أنَّا فُزنا بالملك وشاركناك فيما أنت فيه"٢، ولهذا اجتمع إليه الشعراء وعلماء الأخبار ورواة الناس، حتى حفلت بهم مجالسه، وكان يذاكرهم ويحادثهم وينوه بهم ويدني مجالسهم٣. وذكر أن عبد الملك أرسل إلى الحجاج أن يرسل إليه الشعبي، فأرسله إليه، فلما دخل عليه كان الأخطل عنده، فأخذ يسأله عن الشعر، ويسأل الأخطل عنه، حتى إذا انتهى، قال له: يا شعبي، إنما أعلمناك هذا، لأنه بلغني أن أهل العراق يتطاولون على أهل الشام ويقولون: إن كانوا غلبونا على الدولة، فلن يغلبونا على العلم والرواية، وأهل الشام أعلم بعلم أهل العراق من أهل العراق"٤. وكان الشعبي قد جعل الخنساء أشعر النساء أما عبد الملك ففضل ليلى الأخيلية عليها. فشق ذلك على الشعبي، فقال له ذلك القول، وردد عليه أبيات الأخيلية حتى حفظها. والرواية المتقدمة التي أخذتها من الرافعي هي هذه الرواية بشيء من التغيير.

وكان يتمثل بالشعر الجيد، ويثني على الحسن منه، ويحسن نقده. تمثل بشعر


١ السيوطي، شرح شواهد "١/ ٤٥ وما بعدها".
٢ الزجاجي، مجالس العلماء "٢٠٩".
٣ الرافعي "١/ ٤٠٧".
٤ آمالي المرتضى "٢/ ١٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>