للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصوا على اسمها، مثل تميم، وأسد، وهي القبائل التي ارتضى علماء اللغة الأخذ عنها، وكان بعضهم ممن ترك البادية وعاش في الحاضرتين، وأظهروا مقدرة وكفاءة في الرد على أسئلة العلماء، واستوجبت توثيقهم وتقديمهم، حتى صار بعضهم من طبقة العلماء.

ولم يشرِ العلماء أحيانًا إلى اسم الأعرابي، أو الأعراب الذين أخذوا عنهم، بل اكتفوا بالإشارة إلى أنهم سمعوا ما ذكروه من أعرابي، أو من أعرابي فصيح، أو من فصحاء الأعراب، أو فصحاء العرب. ولا ندري حال هؤلاء الأعراب وحظهم من العلم والمعرفة بعلوم اللغة، وبأمور القبيلة في الجاهلية، وقد يصح الأخذ منهم في أمور لغوية تخص لهجة قبيلتهم، أما في موضوع الشعر والأخبار، فهناك مشاكل شائكة تجعل من الصعب قبول روايتهم، لمجرد أنهم أعراب، وأنهم أعلم من الحضر بأمور قبيلتهم، فبينهم من كان لا يبالي من التحقق بإجابته، فيجيب حسب مزاجه وهواه.

وقد اشتهر وعرف بعض الأعراب، حتى دخلت أسماؤهم في الكتب، وقد دون ابن النَّدِيم أسماء جماعة منهم في باب دعاه: "أسماء فصحاء العرب المشهورين الذي سمع منهم العلماء، وشيء من أخبارهم وأنسابهم"١. وقد ذكر أن من بين هؤلاء من كان معلما، يعلم الصبيان بأجرة، ويؤخذ منه العلم، وكان شاعرًا، مثل أبي البيداء الرباحي، وهو أعرابي نزل البصرة، وعلم بها، وأبي مالك عمرو بن كركرة، وكان يعلم في البادية ويورق في الحضر مولى بني سعد، راوية أبي البيداء، وكان عالما باللغة، وله رأي طريف: "يزعم أن الأغنياء عند الله أكرم من الفقراء"٢، وأبي عرار، وهو أعرابي من بني عجل، قريب من أبي مالك، في غزارة علم اللغة، وكان شاعرًا، وكان ممن يتصل به جناد وإسحاق بن الجصاص"٣. ولبعضهم مؤلفات، ذكر أسماءهم ابن النديم. وقد أقام معظمهم بين الحضر، في المدن المشهورة التي كانت تبحث عن أمثال هؤلاء، مثل البصرة والكوفة، ثم بغداد، وكان أكثرهم ينظم الشعر، ومنهم من كان كاتبًا قارئًا، طابت له الإقامة بين الحضر، ووجد له الرزق بينهم، ففضل وطلب المال على الإقامة في أرض الشح والفقر.


١ الفِهْرِسْت "ص٧١ وما بعدها".
٢ الفِهْرِسْت "ص٧٢".
٣ الفِهْرِسْت "ص٧٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>