للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الشاعر مروان بن أبي حفصة. زعم أنه رآه عند الوليد بن يزيد. وكان قد دخل عليه في جماعة من الشعراء، "وهو في فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده، كلما أنشد شاعر شعرًا، وقف الوليد بن يزيد على بيت من شعره، وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، هذا المعنى نقله من موضع كذا وكذا من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعر، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حماد الراوية، فلما وقفت بين يدي الوليد أنشده، قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين، وهو لحنة لحانة؟ فأقبل الشيخ علي وقال: يابن أخي، إني رجل أكلم العامة فأتكلم بكلامهم، فهل تروي من أشعار العرب شيئًا؟ فذهب عني الشعر كله إلا شعر ابن مقبل، فقلت له: نعم، شعر ابن مقبل قال: أنشد، فأنشدته قوله:

سل الدار من جنبي حبر فواهب ... إذا ما رأى هضب القليب المفجع

ثم جزت، فقال لي: قف فوقفت، فقال لي: ماذا يقول؟ فلم أدرِ ما يقول! فقال لي حماد: يابن أخي، أنا أعلم الناس بكلام العرب. يقال تراءى الموضعان إذا تقابلا"١.

وقد كان الخليفة الوليد بن يزيد يعطف على حماد كثيرًا، ويشمله برعايته، ويجالسه، ويتباحث معه في الشعر. وقد كانت إحاطة حماد بالشعر هي السبب في تقديمه إلى الخليفة، إذ كان الوليد من العاشقين للشعر ومن الواقفين عليه المعروفين بسعة العلم، وكان هو نفسه شاعرًا مجيدًا٢. وقد ذكر عنه أنه كان يمتلك ديوانًا فيه أشعار الفحول، أو جملة دواوين جمعت أشعار العرب، كما سبق أن أشرت إلى ذلك.

ويروى عن حماد أنه كان ذا ذاكرة عجيبة، وحافظة قوية غريبة في سرعة الحفظ. روي أن الطِّرِمَّاحَ بنَ حَكِيمٍ قص على ابنه هذه القصة، قال:


١ الأغاني "٦/ ٧٢"، الزجاجي، مجالس العلماء "٢٧ وما بعدها".
٢ جمع شعر الوليد بن يزيد ورتبه المستشرق الإيطالي "ف. جبريالي، ونشره المجمع العلمي العربي بدمشق سنة ١٩٣٧م، بعنوان: ديوان الوليد بن يزيد، وقدم له المرحوم خليل مردم بك.

<<  <  ج: ص:  >  >>