للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنشدت حمادًا الراوية في مسجد الكوفة -وكان أذكى الناس وأحفظهم- قولي:

بان الخليط بسحرة فتبددوا

وهي ستون بيتًا: فسكت ساعة ولا أدري ما يريد، ثم أقبل علي فقال: أهذه لك. قلت: نعم، قال: ليس الأمر كما تقول، ثم ردها علي كلها وزيادة عشرين بيتًا زادها فيها في وقته، فقلت له: ويحك! إن هذا الشعر قلته منذ أيام، ما اطلع عليه أحد، قال: قد والله قلت أنا هذا الشعر منذ عشرين سنة، وإلا فعلي وعلي، فقلت: لله علي حجة حافيا راجلا إن جالستك بعد هذا أبدًا. فأخذ قبضة من حصى المسجد وقال: لله علي بكل حصاة من هذا الحصى مائة حجة إن كنت أبالي، فقلت، أنت رجل ماجن، والكلام معك ضائع، ثم انصرفت"١.

وقد أخذ عن حماد أهل المصرين: الكوفة والبصرة، ومنهم: خلف الأحمر، وروى عنه الأصمعي شيئًا من شعره. ونسب إلى الأصمعي قوله: "كل شيء في أيدينا من شعر امرئ القيس، فهو عن حماد الراوية إلا شيئًا بمعناه من أبي عمرو بن العلاء"٢.

وللهيثم بن عدي خبر يشيد فيه بعلم حماد وبسعة حفظه له. وهناك أخبار أخرى في سعة حفظ حماد للشعر، مدونة في كتب الأدب، قد يخرجنا سردها من صلب هذا الموضوع٣.

وقد عرف حماد كذلك بسعة علمه بالعربية، فقالوا إنه "كان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها". وورد عن الهيثم بن عدي قوله فيه: "ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حماد"٤، والهيثم راويته وصاحبه. وروي أن عمرو بن العلاء كان يقدم حمادًا على نفسه، وكان حماد يقدم عمرًا على نفسه٥، وعمرو بن العلاء نفسه من شيوخ علماء العربية في ذلك العهد.


١ الأغاني "٦/ ٩٤ وما بعدها".
٢ المُزْهِر "٢/ ٤٠٦"، ابن الأنباري، نزهة "٥٩".
٣ الأغاني "٢/ ٢٠٩ وما بعدها"، "٦/ ٧٢"، "٧/ ٤٥، ٥٦ وما بعدها".
٤ الأغاني "٦/ ٧٠ وما بعدها" ياقوت، إرشاد "١٠/ ٢٦٥".
٥ الأغاني "٦/ ٧٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>