للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن هنالك أخبارًا تزعم أنه كان قليل البضاعة من العربية، وأنه كان لَحَّانًا، وأنه "حفظ القرآن الكريم من المصحف في نيِّف وثلاثين حرفًا"١، وأنه قرأ "الغاديات ضبحًا" "بالغين المعجمة"، فسعى به إلى عقبة بن مسلم بن قتيبة الباهلي، فامتحنه بالقراءة في المصحف، فصحَّف في عدة آيات٢. ولا استبعد وقوع اللحن منه، إذ كان من الموالي، بعد أن وقع اللحن من عرب خلص ومن أنبل الأسر العربية ومن بعض كبار رجال الدولة في ذلك العهد. غير أن في هذا الوارد عن قلة بضاعته في العربية وفي كثرة لحنه وتصحيفه في القرآن الكريم، مبالغات وزيادات، وضعها عليه حسَّاده ومنافسوه لا شك؛ إذ لا يعقل وقوع مثل هذه الأغلاط الشنيعة من رجل وصل إلى الخلفاء برواية الشعر وتفسيره وتفسير غريبه، وعرف بين العلماء بسعة علمه بلغات العرب، حتى كانوا يلجئون إليه في حل مُشْكِلها وغريبها. ولو كان على مثل ما ذكر من اللحن في الكلام والتصحيف فيه ومن قلة بضاعته في العربية، لما وصل إلى الوليد بن زيد وإلى هشام وإلى خلفاء آخرين، وقد كانوا لا يختارون في الشعر واللغة إلا الفطاحل القديرين، قال المدائني: "وكانت ملوك بني أمية تقدمه، وتؤثره، وتستزيده، فيفد عليهم، ويسأله عن أيام العرب وعلومها، ويجزلون صلته".

ولم يكن حماد عند أهل البصرة ثقة ولا مأمونًا، وكانوا يضعفونه. ذكروا أنه كان يصنع الشعر ويقتني المصنوع منه وينسبه إلى غير أهله. ورووا أن أعرابيًّا جاء مجلس حماد فأنشده قصيدة لم تعرف، ولم يدر لمن هي، فقال حماد: اكتبوها، فلما كتبوها، وقام الأعرابي، قال: لمن ترون أن نجعلها؟ فقالوا أقوالا، فقال حماد: اجعلوها لطَرَفَة٣. وروي أنه قدم البصرة على بلال بن أبي بردة، فقال ما أطرفتني شيئًا، فعاد إليه فأنشده القصيدة التي في شعر الْحُطيئة مديح أبي موسى. فقال: ويحك يمدح الْحُطيئة أبا موسى لا أعلم به وأنا أروي للحطيئة ولكن دعها تذهب في الناس٤.


١ ابن خِلِّكان "١/ ٢٠٧".
٢ ابن خِلِّكان "٥/ ١٢٩"، "حاشية رقم١"، "طبعة الدكتور أحمد فريد رفاعي"، الموشح للمرزباني "١٩٥"، "القاهرة ١٣٤٣".
٣ المُزْهِر "٢/ ٤٠٦".
٤ طبقات، لابن سلام "١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>