و"روي أن هارون الرشيد قال للمفضل بن محمد: كيف بدأ زهير بقوله:
دع ذا وعد القول في هرم
ولم يتقدم قبل ذلك شيء ينْصَرِفُ عنه. فقال المفضَّل: قد جرت عادة الشعراء بأن يقدموا قبل المديح نسيبًا، ووصف إبل وركوب فَلَوات، ونحو ذلك. فكأن زهيرًا همَّ بذلك، ثم قال لنفسه: دع هذا الذي هممت به مما جرت به العادة، واصرف قولك على مدح هَرِم. فهو أولى مِنْ صُرِف إليه القول ونُظِم، وأحق من بدئ بذكره الكلام وختم. فاستحسن الرشيد قوله. وكان حماد الراوية حاضرًا، فقال: يا أمير المؤمنين، ليس هذا أول الشعر، ولكن قبله:
لمن الديار بقنة الحجر
وذكر الأبيات الثلاثة. فالتفت الرشيد إلى المفضل وقال: ألم تقل إن "دع ذا ... " أول الشعر، فقال: ما سمعت بهذه الزيادة إلا يومي، ويوشك أن تكون مصنوعة. فقال الرشيد لحماد: أصدقني، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا زدت هذه الأبيات. فقال الرشيد: من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد"١.
والقصة بهذا الشكل مصنوعة، فالمعروف أن وفاة حماد كانت سنة "١٥٦هـ". فلا يعقل التقاء حماد بالرشيد أيام خلافته. ومخاطبته له بيا أمير المؤمنين. ثم إن من الصعب تصور اعتراف حماد بإضافة أشعار من عنده على شعر الجاهليين بمثل هذه الصورة والبساطة، وهو في حضرة خليفة. والأغلب أنها وضعت على حماد من خصومه، للطعن به، وللرفع من شأن المفضل بن محمد الضَّبي.
وقد وردت هذه القصة بشكل آخر، وردت أنها وقعت في أيام المهدي، روي أن جماعة من العلماء "كانوا في دار أمير المؤمنين المهدي بـ"عيساباذ" وقد اجتمع فيها عدة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا بالمفضل الضبي الراوية، فدخل، فمكث مليًّا،