للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللغة اختلفوا في تفسيره، اختلافًا كبيرًا، وقد يفهم منه أن الشاعر كان قد تخير هجاءه ودونه في وجوه الكتاب، أي أن الهجاء كان مدونًا بسطور ومكتوبًا، وقد يكون قد أنذر به وتوعد، بأن من سيهجوهم إذا لم يكفوا عن سفههم، فإنه سيدوِّن هجاءه ويثبته في سطور وينشره بين الناس، فهو ينذرهم به ويتوعدهم وقد أدخله صاحب "العمدة" في "باب الوعيد والإنذار"، وقال: "كان العقلاء من الشعراء وذوي الحزم يتوعدون بالهجاء، ويحذورن من سوء الأحدوثة، ولا يمضون القول إلا لضرورة لا يحسن السكوت معها"١. وقد اتخذ "كولدتزيهر" هذا البيت دليلا على وجود التدوين في شعر الهجاء عن العرب، كما اتخذ من شعر ليلى الأخيلية:

أتاني من الأنباء أن عشيرة ... بشوران يزجون المطي المذللا

يروح ويغدو وفدهم بصحيفة ... ليستجلدوا لي، ساء ذلك معملا٢.

دليلا آخرعلى تدوين الهجاء.

وتنقيحُ الشعر تهذيبُه. وأنقح شعره إذا حككه، أي أزال عيوبه. ولهذا قيل: خير الشعر الحولي المنقح٣. فكان الشاعر إذا نظم شعرًا أجال بصره به، ليرى ما فيه من نشاز وعيوب، فيحك منه ما يحتاج إلى حك، ويجيل بصره به إلى أن يعجبه ويرضيه، فيقوله للناس. وقد ينقحه بعد إلقائه، إذ قد يسمع نقدًا يراه من شاعر أو من العارفين بالشعر، صائبًا، فينقح الموضع المنتقد. وقد ينتبه الشاعر وهو يقرأ شعره على الملأ، إلى أفكار لم تكن تخطر على باله ساعة نظم شعره، فينظمها ويضيفها إلى ما نظمه.

وكان من الشعراء من يكتب ويقرأ ويدون شعره. ومن هؤلاء عدي بن زيد العبادي، الذي كان يتولى مكاتبة العرب عند كسرى، والذي كان قد حذق الكتابة بالعربية والفارسية٤. وهو من شعراء الحيرة، والشاعر


١ العمدة "٢/ ١٦٧".
٢ ريجيس بلاشير، تأريخ الأدب العربي "٩٨".
٣ تاجُ العَروسِِ "٢/ ٢٤٢"، "نقح"، "٧/ ١٢٢"، "حك".
٤ الأغاني "٢/ ١٠١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>