للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سويد بن صامت الأوسي، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك الأنصاري، وهم من شعراء يثرب١، ولهذا فلا يستبعد وقوع التدوين والتنقيح من هؤلاء الشعراء ومن أمثالهم الذي كانوا يقرءون ويكتبون، يكتبون شعرهم، ثم يجيلون النظر فيه، فيغيرون منه ما شاءوا ويبدلون ما لا يعجبهم منه حتى يستوي، فيذاع.

ولو ذهبنا هذا المذهب وقلنا بصحة المذكور في هذه الروايات، حق علينا أن نقول إن الشعراء الجاهليين إن لم يكن أكثرهم فبعضهم على الأقل كانوا ينقحون شعرهم ويعدلون فيه ويجبرونه، حتى يستقيم في نظرهم ويستوي. فإذا رضوا عنه، أذاعوه عندئذ، وأنشدوه حين تدعو الداعية إلى الإنشاد. وقد يطول هذا التنقيح، وقد ينقص. قد يقع في أيام، وقد يقع في شهر أو شهور أو حول أو أكثر. ومثل هذا التنقيح والتحكيك، يستدعي وجود تدوين في الغالب، بأن يدون الشاعر أو راويته الشعر، ثم يجري التنقيح على المكتوب.

ذكر ابن قتيبة، أن من الشعراء المتكلف والمطبوع. "فالمتكلف هو الذي قوم شعره بالثقاف، ونقحه بطول التفتيش، وأعاد فيه النظر بعد النظر، كزهير والحطيئة. وكان الأصمعي يقول: زهير والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، لأنهم نقحوه ولم يذهبوا فيه مذهب المطبوعين. وكان الْحُطيئة يقول: "خير الشعر الحولي المنقح المحكك وكان زهير يسمى كبر قصائده: "الحوليات"٢.

وقد أشار بعض الشعراء إلى تنقيحه شعره وإلى تهذيبه له، وتحكيكه فيه. منهم الشاعر المخضرم سويد بن كراع من "عطل"٣، وكان شاعرًا محكمًا٤. فقال في أبيات يذكر تنقيحه شعره:

أبيت بأبواب القوافي كأنما ... أصادي بها سربًا من الوحش نزعا

أكالثها حتى أعرس بعدما ... يكون سحيرًا أو بعيد فأهجعا


١ ابن سعد، الطبقات "٣/ ٢ ص٧٩"، المحبر "٢٧١ وما بعدها"، الأغاني "٣/ ٢٥".
٢ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٢٢ وما بعدها"، "الثقافة"، البَيَانُ والتَّبْيينُ "٢/ ١٣، ٢٠٤"، "لجنة"، البَيَانُ والتَّبْيينُ "١/ ٢٠٤"، "هارون".
٣ الأغاني "١١/ ١٢١"، الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "٢/ ٥٣٠"، "الثقافة".
٤ الإصابة "٢/ ١١٧"، "رقم٣٧٢٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>