للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا خفت أن تروى علي رددتها ... وراء التراقي خشية أن تطلعا

وجشّمني خوف ابن عفان ردها ... فثقِّفها حولا جريدًا ومربعا

وقد كان في نفسي عليها زيادة ... فلم أرَ إلا أن أطيع وأسمعا١

وكان هجا قومه، فاستعدوا عليه عثمان، فأوعده، وأخذ عليه ألا يعود٢. فأخذ يهذب شعره ويثقفه خشية الوقوع فيما لا يحمد عليه.

وذكر ابن قتيبة أن "المتكلف من الشعر وإن كان جيدًا محكمًا، فليس به خفاء على ذوي العلم، لتبينهم فيه ما نزل بصاحبه من طول التفكر، وشدة العناء، ورشح الجبين، وكثرة الضرورات، وحذف ما بالمعاني حاجة إليه، وزيادة ما بالمعاني غنى عنه"٣.

وقال: "والمطبوع من الشعراء من سمح بالشعر واقتدر على القوافي، وأراك في صدر بيته عجزه، وفي فاتحته قافيته، وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة، وإذا لم يتلعثم ولم يتزحر"٤.

والتكلف في نظم الشعر شيء ممجوج ما في ذلك شك، لما فيه من تصنع وتنطُّع، وخروج على عفو الخاطر، وعلى الطبع. أما تهذيب الشعر مراجعته وتشذيبه، والتأني فيه، والنظر فيه، لتعبيده وتشذيبه، حتى يكون عذبا نقيا، نابعًا عن شاعرية وسليقة، خاليًا من الشطحات والنزوات، يعجب السامع، فأمر آخر، على ألا يتجاوز الحد، بحيث يخضع الشعور لاستبداد الصنعة، فهو عندئذ معيب. وقد رأى الأصمعي، وهو من نقدة الشعر وعلمائه، في تثقيف الشعر وحكه وتشذيبه عبودية للشعر، انتقد زهيرًا والحطيئة عليها، فقال: زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما، عبيد الشعر. وكذلك كل من جود في جميع شعره، ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة. وكان يقال: لولا أن الشعر قد كان استعبدهم واستخرج مجهودهم، حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة،


١ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٢٣"، "الثقافة".
٢ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "٢/ ٥٣٠"، "الثقافة".
٣ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٣٢"، "الثقافة".
٤ المصدر نفسه "١/ ٣٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>