للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن يلتمس قهرهم الكلام، واغتصاب الألفاظ، لذهبوا مذهب المطبوعين، الذين تأتيهم المعاني سهوًا ورهوًا، وتنثال عليهم الألفاظ انثيالا، وإنما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي؛ ولذلك قالوا في شعره: مطرف بآلاف، وخمار بواف. وقد كان يخالف في ذلك جميع الرواة والشعراء"١. وقد فسر ابن قتيبة الجملة الأخيرة المتعلقة بالنابغة الجعدي، بقوله: "وكان العلماء يقولون في شعره خمار بواف، ومطرف بآلاف. يريدون أن في شعره تفاوتًا، فبعضه حد مبرز، وبعضه رديء ساقط"٢.

وجاء في "العمدة" لابن رشيق: "وكان الأصمعي يقول: زهير والنابغة من عبيد الشعر، يريد أنهما يتكلفان إصلاحه، ويشغلان به حواسهما وخواطرهما"٣، فوضع النابغة في موضع الْحُطيئة المذكور في "البيان والتبيين" وفي الموارد الأخرى.

قال السيوطي: قال الجاحظ في البيان: كان الشاعر من العرب يمكث في القصيدة الحول، ويسمون تلك القصائد الحوليات والمنقحات والمحكمات، يصير قائلها فحلا خنذيذًا وشاعرًا مفلقًا"٤. فالقصيدة الحولية المنقحة المحكمة، هي القصيدة التي يتأنى بها صاحبها، فيهذب فيها ويشذب، حتى يحكمها، لتصير متماسكة بينه متينة، ومن هنا قال الحطئية: خير الشعر الحولي المنقح"، أو "خير الشعر الحولي المحكك"٥. وكانوا يسمون تلك القصائد أيضًا المقلدات٦؛ والحوليات، والمنقحات، والمحكمات، وقد أوجز السيوطي كلام الجاحظ، الذي أدرك ما كان يفعله الشاعر بشعره من تغيير وتبديل ومن تنقيح وتجويد، حتى يرضى عنه. فقال أكثر مما نقله السيوطي عنه، قال إن من الشعراء "من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا كريتًا وزمنًا طويلا، يردد فيها نظره، ويجيل فيها عقله ويقلب فيها رأيه، إتهامًا لعقلة، وتتبعًا على


١ البَيَانُ والتَّبْيينُ "٢/ ١٣"، "لجنة"، الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٢٢ وما بعدها"، "بيروت دار الثقافة"، "١/ ٨١ وما بعدها".
٢ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٢١٠".
٣ العمدة "١/ ١٣٣".
٤ شرح شواهد "١/ ٢٦"، باختلاف اللفظ، البَيَانُ والتَّبْيينُ "٢/ ١٣".
٥ البَيَانُ والتَّبْيينُ "١/ ٢٠٤"، "٢/ ١٣".
٦ البَيَانُ والتَّبْيينُ "٢/ ٢٦"، "٢/ ٩"، "لجنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>