للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال لك الصراف: إنه رديء، هل ينفعك استحسانك له؟ "١.

وقد افتخر رواة الشعر بأنفسهم، وزعموا أنهم أكثر فهمًا في النقد من رواة الحديث، قال يحيى بن سعيد القطان: "رواة الشعر أعقل من رواة الحديث، لأن رواة الحديث يروون مصنوعًا كثيرًا، ورواة الشعر ساعة ينشدون المصنوع ينتقدونه ويقولون: هذا مصنوع"٢. يعيبون رواة الحديث على روايتهم الحديث المصنوع، مع أن وضعهم للشعر لا يقل عن وضع رواة الحديث للحديث على لسان الرسول، ونقدهم له لا يرتفع كثيرًا عن نقد رجال الحديث للحديث.

وقد تعرض ابن سلام لموضوع إفساد الشعر ونحله، فقال: "وكان ممن هجن الشعر وأفسده وحمل كل غثاء: محمد بن إسحاق مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف. وكان من علماء الناس بالسير، فنقل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها. ويقول: لا علم لي بالشعر، إنما أوتى به، فأحمله ولم يكن ذلك له عذرًا، فكتب في السير من أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلًا عن أشعار الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود. أفلا يرجع إلى نفسه فيقول من حمل هذا الشعر؟ ومن أداه منذ ألوف من السنين؟ والله يقول: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} . وقال في عاد: {فهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} . وقال: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} ٣.

فهو يتهم ابن إسحاق بالجهل بالشعر، وهو جهل استغله صناع الشعر فجاءوا إليه بشعر غثاء فاسد، وبشعر مصنوع، فأدخله، وبشعر مفتعل وضع على ألسنة الماضين فقبله. فكان جهله من عوامل إفساد الشعر.

وهذا الشعر بيّن الفساد، يمكن لكل ذوي عقل رفضه، ولكن الذي أفسد الشعر وهجنه، هم علماء الشعر وصناعه من أصحاب الحرفة، الذين وضعوا على ألسنة الشعراء، شعرًا صعب حتى على نقدة الشعر رده إلى أصله، لأنهم وضعوه وصاغوه على ألسنة الشعراء صياغة محبوكة من نمط الشعر الصحيح المحفوظ عن أهل الجاهلية، ومن هنا هان عمل ابن إسحاق بالنسبة إلى عمل حماد الراوية وخلف الأحمر وغيرهما من صاغة الشعر.


١ ابن سلام، طبقات "٣ وما بعدها"، المُزْهِرُ "١/ ١٧٢ وما بعدها".
٢ المُزْهِرُ "١/ ١٧٥"، ذيل الأمالي "١٠٥".
٣ طبقات "٣ وما بعدها"، المُزْهِرُ "١/ ١٧٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>