للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن سلام: "فلما راجعت العرب رواية الشعر وذكر أيامها ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم، وما ذهب من ذكر وقائعهم، وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم، فأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على ألسن شعرائهم. ثم كانت الرواة بعد، فزادوا في الأشعار، وليس يشكل على أهل العلم زيادة ذلك، ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل بهم أن يقول الرجل من أهل بادية من ولد الشعراء أو الرجل ليس من ولدهم، فيشكل ذلك بعض الإشكال"١.

وروى ابن سلام خبرًا طريفًا من أخبار النَّحْل في الشعر، فقال: "أخبرني أبو عبيدة أن داود بن مُتَمِّم بن نُويرَة قدم البصرة في بعض ما يقدم له البدوي في الجلب والميرة، فنزل النحيت، فأتيته أنا وابن نوح، فسألناه عن شعر أبيه متمم، وقمنا له بحاجته وكفيناه ضيعته، فلما نفد شعر أبيه جعل يزيد في الأشعار، ويضعها لنا، وإذا كلام دون كلام متمم، وإذا هو يحتذي على كلامه، فيذكر المواضع التي ذكرها متمم، والوقائع التي شهدها، فلما توالى ذلك علينا علمنا أنه يفتعله"٢.

وتحاشيًا من الوضع، امتحنوا من كان يقدم عليهم، للأخذ منه، أو من كان يتصل بهم من الأعراب، حتى يتأكدوا من أمانتهم ومن علمهم بما سيسألونهم عنه. إذ ثبت عند العلماء بالشعر أن بعض الأعراب كانوا يفتعلون الشعر ويضعون الأخبار ويجيبون عن غير علم. وقد أفرد أبو العباس المبرد لبعض منهم بابًا خصصه بأكاذيب الأعراب. وبما كانوا يروونه من أساطير وخرافات٣، ومع ذلك فقد فات عليهم الكثير من هذه الأكاذيب، ودخلت كتبهم، ويمكنك التعرف على البعض منه، من دون حاجة إلى بذل مشقة أو جهد.

وقد أورد علماء الشعر أمثلة على المصنوع من الشعر من ذلك ما ذكره أبو عبيدة من أنه أنشد بشار بن برد، البيت:

وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا


١ طبقات "١٤".
٢ طبقات "١٤"، المُزْهِرُ "١/ ١٧٥".
٣ المُزْهِرُ "٢/ ٥٠٤"، "أكاذيب الأعراب".

<<  <  ج: ص:  >  >>