للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن قصيًّا لما احتفر "سجلة"، قال:

أنا قصي وحفرت سجلة ... تروي الحجيج زغلة فزغلة

وقيل بل حفرها "هاشم"، ووهبها "أسد بن هاشم" لعدي بن نوفل، فقالت: خلدة بنت هاشم:

نحن وهبنا لعدي سجلة ... نروي الحجيج زغلة فزغلة

ونجد في كتب السير شعرًا قيل في حفر بئر زمزم١، وفي آبار أخرى، مما يدل على أن العرب كانوا قبل هذا العهد، إذا حفروا بئرًا، قالو شعرًا فيها، وهو شعر يمكن أن نسميه شعر الآبار، وهو يعود ولا شك إلى عرف قديم، قد يتقدم على الميلاد بكثير، وهو يجب أن يكون من أقدم ما قيل من الشعر، لما للبئر من أهمية في حياة العرب.

ولم يقتصر التغني بالشعر على حفر الآبار وحدها، وإنما تغني به عند بنائهم بناء أو حفرهم خندقًا، أو إقامتهم سورًا، أو قيامهم بزرع أو حصاد، وفي أعمال أخرى يناط القيام بها إلى جماعة في الغالب، وكذلك في الغارات وفي الحروب. ولما شرع المسلمون يبنون مسجد الرسول بالمدينة، قال قائل منهم:

لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل

فارتجز المسلمون وهم يبنون، يقولون:

لا عيش إلا عيش الآخرة ... اللهم فارحم الأنصار والمهاجرة

وقال "ابن هشام": هذا كلام وليس برجز٢، وسبب ذلك كون قائله هو الرسول.

وقيل إنه قال:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة


١ ابن هشام، سيرة "١/ ٩٧"، "حاشية على الروض"، الروض الأنف "١/ ٩٧".
٢ ابن هشام، سيرة "٢/ ١٢"، "حاشية على الروض".

<<  <  ج: ص:  >  >>