للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسانية، أن تحدث آثارًا سحرية، وكذلك كانت غاية الرثاء الأصلية أيضًا هي السحر، "فقد كان الغرض من المرثية أن تطفئ غضب المقتول وتنهاه أن يرجع إلى الحياة، فيلحق الأضرار بالأحياء الباقين، ولكن هذا المعنى تلاشى تقريبًا في الجزيرة العربية أمام الشعور الإنساني بالحزن الممض. على أن إظهار الحزن لم يكن يناسب رجال القبيلة كما كان لائقًا بنسائها، خاصة بالأخوات، ومن ثم بقي تعهد الرثاء الفني من مقاصدهن حتى عصر التسجيل التأريخي"١.

وقد لعبت الأغاني دورًا كبيرًا في الصيد والحرب، فقد رافقتهما منذ أوائل انشغال الإنسان بهما، ولم يكن الصيد متعة وتسلية ورياضة عند العرب حسب، بل كان لسد حاجة وللتغلب على شظف العيش أيضًا، ونجد في الشعر الجاهلي شعرًا جعل الصيد، نوعًا من الرياضة والتسلية، وإظهار الرجولة في التغلب على الوحش الكاسر، والحيوان المتوحش، وأكثر أصحابه من المترفين والمتمكنين، من أصحاب الخيل السريعة، مثل الملوك وسادات القبائل، والشعراء الذي يرافقونهم في رحلات صيدهم، أو يقومون هم أنفسهم برياضة الصيد.

ويلعب الغزو دورًا خطيرًا في حياة الجاهليين، فقد كان الغزو في الواقع نوعًا من أنواع الكفاح في سبيل الحياة، عليه معاشهم، وبواسطته يحافظون على حياتهم وأموالهم، وقد أنتج ضربًا من ضروب الشجاعة والمغامرة، يتجلى في الشعر الحماسي، الذي يقال قبل القتال وفي أثناء احتدامه. ونكاد لا نقرأ خبر يوم من أيام العرب أو غزو، أو قتال إلا ونجد للشعر فيه دورا ومكانا في هذه الأحدث. يستوي في ذلك شعر الجاهلية والشعر الذي قيل في الأحداث التي وقعت في صدر الإسلام.

ونجد للنسيب، والغزل مكانة في الشعر الجاهلي، وقد نجد فيه وصفا للجمال الحسي لأعضاء الجسد. وقد آخذ العلماء امرأ القيس والأعشى على مجاهرتهما بالفحش وبالزنا في شعرهما. والمجاهرة بالاتصال الجنسي بصورة عارية مكشوفة من الأمور التي لا ترد بكثرة في الشعر الجاهلي٢.

ولا بد وأن يكون الشعر قد مر في مراحل، لعل أقدمها مرحلة السجع،


١ بروكلمن "١/ ٤٧ وما بعدها".
٢ بروكلمن "١/ ٤٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>