للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلما يخلو بيت من هذه القصيدة من حذف في بعض التفاعيل، أو زيادة، كما في الشطر الأول من هذا المطلع.

ومثل ما نسب إلى المرقش الأكبر، وعدي بن زيد العبادي، وغيرهم، من خروج على الوزن في بعض الشطور، وإخلال في الوزن حتى زعم بعض العلماء، أن في نونية "سلمى بن ربيعة" خروجًا عن العروض: عروض الخليل١. وقد أشرت في مكان آخر إلى وقوع الإقواء والإكفاء والزحاف في شعر بعض الشعراء، مثل امرئ القيس، والنابغة، وبشر بن أبي خازم، وهي أمور تلفت النظر، لا ندري أكانت قد وقعت من الشعراء حقًّا، أم من الرواية والرواة، أم أنها لم تكن عيبًا بالنسبة لعروض الجاهليين، وإنما عدت من العيوب بالنسبة إلى العروض الذي ضبط في الإسلام، أو أنه وقع بسب تعديل أو تبديل أدخله العلماء على الأصل، ليلائم قواعد العربية، فوقع من ثم ما قيل له عيبًا. وإنني لا أستبعد وقوع السهو في نظم الشعر من شاعر مهما كان فحلًا، فقد روي أن بعض الفحول من شعراء العصر الأموي كالكميت والفرزدق والأخطل، قد وقعوا في أخطاء، وأن رواتهم كانوا يجرون تنقيحًا وتغييرًا على أشعارهم، ليقوّموا بذلك ما انحرف في شعرهم وما فيه من الفساد٢، ولكن وقوع ما نشير إليه يدل على أن ما نعده اليوم عيبًا أو خروجًا على القواعد والعروض، لم يكن ينظر إليه هذه النظرة عند الجاهليين وفي صدر الإسلام، وإلا دل ذلك على جهل أولئك الشعراء بقواعد اللغة وعلم الشعر، وحاشا وقوع ذلك منهم، وشعرهم نفسه كان في جملة المواد الأساسية التي استعان بها علماء القواعد والعروض في بناء النحو والعروض.

وقد قصر علماء الشعر فحولة الشعر في الجاهلية على الشعر المعروفين بالنظم بالبحور المشهورة، فيما عدا الرجز، أما قالة الرجز، فهم طبقة خاصة، عرفت عندهم بالرجاز. ويظهر من القول المنسوب إلى "الوليد بن المغيرة": "لقد عرفنا الشعر كله: رجزه، وهزجه، وقريضه، ومقبوضه، ومبسوطه"٣، أن الشعر في نظر أهل مكة: رجز، أو هزج، أو قريض، أو مقبوض، أو مبسوط، وأن من يقول الرجز، فهو راجز ورجاز، ولم يكن الرجز كما


١ العصر الجاهلي، شوقي ضيف "١٨٤ وما بعدها".
٢ الأغاني "٤/ ٢٥٦".
٣ ابن هشام "١/ ١٧٣"، "حاشية على الروض".

<<  <  ج: ص:  >  >>