كان ملوك الحيرة شعراء، ينظمون الشعر، ولهم اطلاع ووقوف على شعر الشعراء، وكان من اتصل بهم من سادة الحيرة شعراء كذلك، لهم شعر مدوّن في كتب الأدب، وفيه ما قالوه في فتوح المسلمين للعراق، فمن هنا ظهر الشعر في العراق، على حين خمل في بلاد الشأم.
ولم تكن القبائل سواء في الشعر وفي عدد شعرائها، وهذا شيء طبيعي، لا يختلف فيه اثنان. وقد لاحظ ذلك علماء الشعر، فأشاروا إلى أسماء قبائل أنجبت في الشعر وأخصبت في الشعراء، وكان "الجاحظ" الكاتب الذكي ممن لاحظ ذلك، فقال: "وبنو حنيفة مع كثرة عددهم، وشدة بأسهم، وكثرة وقائعهم، وحسد العرب لهم على دارهم وتخومهم وسط أعدائهم، حتى كأنهم وحدهم يعدلون بكرًا كلها، ومع ذلك لم نر قبيلة قط أقل شعرًا منهم. وفي إخوتهم عجل قصيد ورجز، وشعراء رجازون. وليس ذلك لمكان الخصب وأنهم أهل مدر، وأكالو تمر، لأن الأوس والخزرج كذلك، وهم في اشعر كما قد علمت. وكذلك عبد القيس النازلة قرى البحرين، فقد تعرف أن طعامهم أطيب من طعام أهل اليمامة.
وثقيف أهل دار ناهيك بها خصبًا وطيبًا، وهم وإن كان شعرهم أقل، فإن ذلك القليل يدل على طبع في الشعر عجيب، وليس ذلك من قبل رداءة الغذاء، ولا من قلة الخصب الشاغل والغنى عن الناس، وإنما ذلك عن قدر ما قسم الله لهم من الحظوظ والغرائز، والبلاد والأعراق مكانها.
وبنو الحاث بن كعب قبيل شريف، يجرون مجاري ملوك اليمن، ومجاري سادات أعراب أهل نجد، ولم يكن لهم في الجاهلية كبير حظ في الشعر. ولهم في الإسلام شعراء مغلقون.
وبنو بدر كانوا مفحمين، وكان ما أطلق الله به ألسنة العرب خيرًا لهم من تصبير الشعر في أنفسهم.
وقد يحظى بالشعر ناس ويخرج آخرون، وإن كانوا مثلهم أو فوقهم. ولم تمدح قبيلة في الجاهلية، من قريش، كما مُدحت مخزوم، ولم يتهيأ من الشاهد والمثل بالمادح في أحد من العرب، ما تيهأ لبني بدر.
وقد كان في ولد زرارة لصلبه، شعر كثير، كشعر لقيط وحاجب وغيرهما