العلماء ولا في كتب أهل الأخبار. ثم إني لاحظت أن أخبار فتوح الشأم لا تذكر شيئًا من شعر القبائل المستعربة التي حاربت مع الروم المسلمين، أو التي حاربت مع المسلمين الروم، وحيث إننا نعرف أن من عادة العرب الاستعانة بالشعر والرجز أثناء غزوها وقتالها، لذلك تلفت هذه الملاحظة الأنظار، وتحمل المرء على البحث في سبب وجود هذا الفقر في شعر القتال في فتوح الشأم، بينما نجد شعرًا غزيرًا وافرًا أنتجته قرائح المتقاتلين في حروب العراق نظمه المحاربون المسلمون، ومحاربو القبائل العراقية الوثنية والمنتصرة التي حاربت مع الفرس، أو التي حاربت مع المسلمين أو تلك التي انضمت إلى المسلمين فيما بعد.
وسبب هذا الفقر في نظري، أن قبائل بلاد الشأم، كانت قد تأثرت بلغة وبثقافة أهل الشأم، وبالنصرانية المتأثرة بالسريانية وبالرومية وقد غلبت عليها نزعة الاستقرار، فاستقرت في حواضر حضرية كبيرة مثل دمشق وحمص وحلب، وقنسرين١، وغيرها، وهي حواضر معظم سكانها من السوريين والروم، لا من العرب، وكانت نصرانية، صلواتها بالسريانية، وثقافتها سريانية يونانية فتأثرت بثقافة من عاش بينهم، وانصرفت إلى الزراعة ورعي الماشية، وشابت لهجتها رطانة إرمية، ولم تحفل بالشعر احتفال بقية العرب به. لذلك لم يظهر من بينها شاعر فحل.
أما عرب العراق، فقد كانوا عربًا وأعرابًا، عربهم في قرى عربية، حكامها من العرب ورجال دينها نصارى، ولكنهم نصارى عرب أو مستعربة، علموا العربية في كنائسهم، ونشروا الخط العربي في خارج العراق، وتفقهوا في علوم العربية، وفي جملة هذه العربية الشعر. وأما أعرابهم، فقد كان قوم منهم نصارى والباقون على الشرك وعلى سمة الأعراب منذ وجدوا من الميل إلى الاستقلال وعدم الخضوع لحكم أحد، ومن الاعتزاز بالنفس والتعبير عن الأحاسيس المرهفة بقول الشعر، وأما حكامهم، وهم ملوك الحيرة، فكانوا على سنة كبار سادات القبائل من استقبال الشعراء والاستماع إلى إنشادهم، وتلبية طلباته، وكان من صالحهم اصطناع الشعراء لامتداد ملكهم إلى نجد واليمامة أحيانًا وإلى البحرين وهي من أهم مواطن الشعر في الجاهلية، والشعراء أبواق الدعاية في ذلك العهد، وقد