الفتوحات الإسلامية، فقد ساعدت الروم أولًا، ثم انضمت إلى المسلمين في قتالهم مع البيزنطيين، وقبائل هذا شأنها لا يعقل ألا يكون لها شعر وألا ينبغ من بينها شعراء لكثرة عددها ولمنافستها لعرب العراق، ولكون لسانها هذا اللسان العربي الشمالي، فهل كان عند تلك القبائل شعراء، لم يصل اسمهم إلى علماء الشعر، فلم يذكروهم لجهلهم بهم في عداد شعراء الجاهلية؟ فصرنا لذلك لا نعرف من أمرهم شيئًا! أو أنها كانت مجدبة حقًّا لأنها كانت بمنأى عن الشعر والشعراء، لتحضرها وتأثرها بالنصرانية وبثقافة بني إرم، فلم توائم تربتها الشعر، لذلك أجدبت فيه، ولم ينبت فيها شاعر لامع الاسم!
يقول علماء اللغة: والذين عنهم نقلت العربية وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعد الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
بالجملة، فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، لا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطرافها بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم؛ فإنه لم يؤخذ من لخم، ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان، وإياد، لمجاورتهم أهل الشأم، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب١. فالقبائل المذكورة، وإن كانت من القبائل العربية الكبيرة المرموقة، إلا أن إقامتها ببلاد الشام إقامة طويلة ومجاورتها أهل الشأم، وتأثرها بلسانهم، واعتناقها النصرانية، وأخذها ديانتها بالسريانية التي سماها أهل الأخبار العبرانية، وتحضرها وقرارها والتهائها بالزرع والرعي، صيرت كل هذه الأمور ومثالها لسانها عربيًّا مشوبًا برطانة، ولهذا عرفت ب "العرب المستعربة" وب "مستعربة الشأم"، عند المسلمين، حتى صارت تلك الرطانة سببًا لإعراض علماء اللغة عن الاحتجاج بلغتها في شواهد القرآن والشعر على نحو ما رأيت.
وقد يكون لتلك القبائل شعر، غير أن علماء اللغة قاطعوه للسبب المذكور، ولكني لا أستطيع الجزم بذلك، لعدم ورود إشارة إلى هذه الناحية في كتب أولئك
١ المزهر "١/ ٢١١ وما بعدها"، الشعر والشعراء "١/ ١٥٤".