للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذه طرفة فقال:

وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد

ومثل قول امرئ القيس:

فلأيا بلأي ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك السراة محنّب

أخذه زهير، فقال:

فلأيا بلأي ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله

إلى غير ذلك من أمثلة ذكرها "ابن قتيبة" وغيره في مؤلفاتهم عن الشعر والشعراء١. إن صحت دلت على أن الشعراء الجاهليين كانوا يحفظون شعر من تقدم عليهم، وشعر المعاصرين لهم، وأنهم كانوا يتتبعونه ويستقصونه ليحفظوه، ولم يبالوا بعد ذلك إذا أخذوا شيئا من شعر غيرهم. وهذا يدل أيضا على أن الشعر الجاهلي كان محفوظا في الصدور، يحفظه الشعراء وغيرهم من عشاق الشعر، إلى أن جاء الإسلام فدون بالقراطيس.

يقول علماء الشعر لم يتقدم امرؤ القيس الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا، أو لأنه كان أول من ابتدأ بالشعر ووضع جادته ومهد سبيله ووضحه لمن جاء بعده من الشعراء، لكنه سبق إلى أشياء طريفة فاستحسنها الشعراء واتبعوه فيها، لأنه كان أول من لطف المعاني، ومن استوقف على الطلول، ووصف النساء بالظباء والمها والبيض، وشبه الخيل بالعقبان والعصي، وفرق بين النسيب وما سواه من القصيدة، وقرب مآخذ الكلام، فقيد الأوابد، وأجاد الاستعارة والتشبيه٢. وقد ثمن "الباقلاني" شعره بقوله: "وأنت لا تشك في جودة شعر امرئ القيس ولا ترتاب في براعته ولا تتوقف في فصاحته، وتعلم أنه قد أبدع في طرق الشعر أمورا اتبع فيها من ذكر الديار والوقوف عليها إلى ما يتصل بذلك من البديع الذي أبدعه والتشبيه الذي أحدثه والتميح الذي يوجد في شعره والتصرف


١ الشعر والشعراء "١/ ٦٩ وما بعدها"، "الثقافة".
٢ الشعر والشعراء "١/ ٦٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>