بهم الدوائر ليأخذ منهم ما غنموه بالقوة من غيرهم أو ما قد يجده في أيديهم. ولهذا كانوا يتكتلون أحيانا، بانضمام بعضهم إلى بعض، مكونين جماعات، جمعت بينها وحدة الهدف، وغريزة حماية النفس، والمصلحة المشتركة بعد أن حرمهم أهلهم ومجتمعهم من تقديم أية مساعدة أو حماية لهم، وسحب منهم حق الأخذ بالثأر والانتقام ممن قد يعتدي عليهم، بحق "العصبية"، وبعد أن جعل دمهم هدرا، وتبرأ منهم ومن كل جريرة يرتكبونها، فلا يطالب أهلهم بدمهم، ولا يطالبونهم بأي دم قد يسفحه الصعلوك.
ولا أستبعد أن تكون للمغامرة ولإثبات الشخصية، دخل أيضا في حدوث الصعلكة وفي تمرد الشباب على مجتمعهم، على غرار ما نجده اليوم من تمرد على مجتمعاتهم، لإثبات وجودهم وشخصيتهم في هذه المجتمعات، بطريقة البعث بالعرف والعادات وبعدم المبالاة لأوامر العائلة والمجتمع، مما يجعلهم يسيرون سيرة الصعاليك في ذلك الوقت، فلو نظرنا إلى حالة الصعاليك نجد أن منهم من كان من أسرة متمكنة أو لا بأس بأحوالها المالية، ومع ذلك عاش صعلوكا، لما وجد فيها من مغامرات ومجازفات ومطاردة وهجوم ودفاع. فحب المغامرة، وإثبات الشخصية، من أسباب الصعلكة في الجاهلية كذلك.
والصعاليك بعد، حاقدون على مجتمعهم، متمردون عليه، للأسباب المذكورة، نبتت في أكثرهم عقد نفسية، تكونت عندهم من سوء معاملة المجتمع لهم، ومن سوء فعلهم وتصرفهم الخاطئ تجاه مجتمعهم، فهم حاقدون لا يبالون من شيء ولو كان ذلك سلبا ونهبا وقتل أبناء قبيلتهم وعشيرتهم، لأنهم خلعوا منها، وحرموا من حق الدم، فكان خلعها لهم سبب شقائهم وبؤس حياتهم، فأي حق بقي إذن يمنعهم من الحقد على القبيلة ومن مهاجمة العشيرة؟ ثم إنهم حاقدون على مجتمعهم، لأن منهم فقراء معدومين، لا شيء عندهم يعتاشون عليه، ولا ملابس لديهم تقيهم من الحر أو البرد أو المطر، وكل ما تقع أعينهم عليه، هو مفيد لهم نافع، ومن حقهم بحكم فقرهم انتزاعه من مالكه، وإن كان مالكه فقيرا معدما مثلهم، لأن النفس مقدمة على الغير، وهم يعيبون الخامل منهم الذي يعيش صعلوكا ذليلا قانعا بما كتب عليه من الذل والتشرد، عائشا على صدقات الناس، ويرون الخلاص من هذا الذل بالحصول على المال بالقنا وبالسيف، فمن استعمل سيفه نال ما يريد، لايبالي فيمن سيقع السيف عليه، وإلا عد