للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا عجب إذن، إن رأينا"الحاجز الأزدي"، يفدي رجليه بأمه وخالته، وهو فداء في نظرنا غريب، لكنه ليس بغريب، بالنسبة إلى إنسان رجلاه رأسماله في هذه الحياة، بفضلهما سلم من المهالك، وحصل على قوته، ولولاهما لكان من الهالكين:

فدى لكما رجلي أمي وخالتي ... بسعيكما بين الصفا والأثائب١

وكان الصعاليك يغيرون فرسانا كذلك، كانوا يجيدون ركوب الخيل والإغارة عليها، وعد بعضهم من خيرة فرسان الجاهلية، ولعروة بن الورد فرس يسمى "قرمل"٢، وللسليك فرس يسمي "النحام"٣، وللشنفرى فرس يسمى "اليحموم"٤، وقد عرفت هذه الأفراس بشدة عدوها.

والسلاح للصعلوك، هو الحماية التي يتقي بها أذى الناس، ويستعين بها في القضاء على خصمه، وهو السيف والقوس والرمح والدرع والمغفر، وكان لا يفارق سلاحه، لأنه لا يدري متى ينقض عليه عدو له فيقتله، فكان لا بد له من حمل سيفه معه، واعتناقه له حين نومه، وقد عد "عروة بن الورد"، و"عمرو بن براقة" السلاح رأسمالهما الذي يتكلون عليه في هذه الحياة٥.

ولصعوبة تصعلك الرجل بمفرده، تكتل الصعاليك كتلا، وكونوا لهم فرقا، تكونت من أشتات وأنماط من الرجال، فيهم الحر الثائر، وفيهم الضال الغاوي، وفيهم الأسود العبد، وفيهم القاتل الفاتك. وهم بالطبع من قبائل مختلفة ومن بطون متنافرة. فلا تجمعهم عصبية القبيلة، ولا نخوة العشيرة، ومع ذلك فبينهم رابطة قوية، ووحدة جمعت بينهم، هي وحدة الدفاع عن النفس، والذب عنها، والكفاح في سبيل المعيشة، بأي سبيل، وبأية طريقة وجدت ووقعت، حتى بالقتل. فمن وجد شخصا ومعه مال؛ لا يجد الصعلوك والقاتل سببا أخلاقيا


١ الأغاني "١٢/ ٥٢".
٢ قال عروة:
كليلة شيباء التي لست ناسيا ... وليلتنا إذ مَنَّ ما مَنَّ قرمل
تاج العروس "٨/ ٧٩"، "القرمل".
٣ ذيل الأمالي، للقالي "١٨٨".
٤ ديوان الشنفرى، تحقيق الميمني، "لجنة" "ص٤٠".
٥ ديوان عروة "٢٠٧"، الأغاني "٢١/ ١٧٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>