للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت لها يا أم بيضاء فتية ... طعامهم من القدور المعجل

مضيغ من النيب المسان ومسخن ... من الماء نعلوه بآخر من عل

بديمومة ما إن تكاد ترى بها ... من الظمأ الكوم الجلاد تنول

تنكر آيات البلاد لمالك ... وأيقن أن لا شيء فيها يُقوَّل١

وهي أبيات، تعبر عن مرارة نفسه، وعن ألمه مما لاقاه من أصحاب الكنيف، مع أفضاله عليهم، وتقديمه لهم على نفسه، وهو يواسي نفسه فيها، فيقول إنهم ناس، ومن شأن الناس أنهم إذا أخصبوا وتمولوا وتحسنت أحوالهم، تنكروا لمن كان صاحب الفضل عليهم، وتجاهلوا كل ما قام به من صنيع نحوهم. أخرجتهم وأجسامهم هزال من شدة الجهد، لا يقدرون على المشي من شدة الضعف من الجوع، وقمت بأمرهم، حتى إذا قووا، ودنوا من بلادهم وعشائرهم، وأقبلت أقسم فيهم ما غنمته من إبل، فأعطيتهم بالتساوي، وأخذت لنفسي نصيب أحدهم، تنكروا لي وصاروا كالأباعد، ليس لهم شكر، خاصموه عارضوه.

وكان من شأنهم: أنه خرج مع صعاليكه يبحثون عن غنائم، حتى نزل أرض "بني القين"، فأقام مع أصحابه يوما عند موضع ماء، بانتظار مجيء الرعاة لإسقاء إبلهم، ثم ورد عليهم فصيل، فقالوا: دعنا فلنأخذه، فلنأكل منه يوما أو يومين، فقال: إنكم إذن تنفرون أهله، وإن بعده إبلا. فتركوه ثم ندمواعلى تركه، وجعلوا يلومون عروة على الجوع الذي جهدهم. ثم وردت إبل بعده بخمس، فيها ظعينة ورجل، والإبل مائة، فخرج "عروة" ورمى صاحبها في ظهره بسهم، فخر ميتا، واستاق عروة الإبل والظعينة٢. وأتى بالإبل الكنيف فجعل يحلبها لهم، ثم حملهم حتى إذا دنوا من بلادهم وعشائرهم، أقبل يقسمها فيهم، وأخذ مثل نصيب أحدهم، واستخلص المرأة لنفسه، فقالوا: لا والله لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا فمن شاء أخذها من سهمه، فجعل عروة يهم أن يحمل عليهم فيقتلهم وينزع ما معهم، ثم يتذكر صنيعه بهم، وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان صنع، ففكر طويلا ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها امرأته، فأبوا إلا أن يجعلوا الراحلة لهم،


١ ديوانه "١١٩ وما بعدها".
٢ ديوانه "١١٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>