للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشار "عروة" في شعر ينسب إليه إلى "التعشير"، وهو أن ينهق الإنسان عشر مرات إذا أراد دخول "خيبر" لكي لا تصيبه الحمى. فقال:

وقالوا احب وانهق لا تضيرك خيبر ... وذلك من دين اليهود ولوع

لعمري لئن عشرت من خشية الردى ... نهاق الحمير إنني لجزوع١

وقد رفض عروة ذلك، وسخر من هذه الخرافة.

قال "الجاحظ": وكانوا إذا دخل أحدهم قرية خاف من جن أهلها، ومن وباء الحاضرة، أشد الخوف، إلا أن يقف على باب القرية فيعشر كما يعشر الحمار في نهيقه، ويعلق عليه كعب أرنب. ولذلك قال قائلهم:

ولا ينفع التعشير في جنب جرمة ... ولا دعدع يغني ولا كعب أرنب

وقد قال عروة بن الورد، في التعشير، حين دخل المدينة فقيل له: إن لم تعشر هلكت:

لعمري لئن عشرت من خيفة الردى ... نهاق الحمير إنني لجزوع٢

ولعروة شعر في يوم "ساحوق"، وهو يوم لبني ذبيان على "بني عامر"، إذ يقول:

ونحن صبحنا عامرا في ديارها ... علالة أرماح وعضبا مذكَّرا

بكل رقيق الشفرتين مهند ... ولدن من الخطي قد طر أسمرا

عجبت لهم إذ يخنقون نفوسَهم ... ومقتلهم عند الوغى كان أغدرا

يشد الحليم منهم عقد حبله ... ألا إنما يأتي الذي كان حُذِّرا

أي أنهم كانوا ذوي غدر بين، لو أنهم جاهدوا في الحرب وقتلوا، أما الآن فلا عذر لهم بين الرجال في خنقهم أنفسهم. وكان "الحكم بن الطفيل" وأصحابه قد خنقوا أنفسهم، بشد الحبل حول العنق٣، وذلك تحت شجرة بالمروراة،


١ ديوانه "٩٥"، الحيوان "٦/ ٣٥٩".
٢ الحيوان "٦/ ٣٥٩".
٣ الحيوان "٢/ ٢٧٣"، الخزانة "٤/ ٢١٨"، العقد الفريد "٢/ ٣١٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>