للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجعله لا يحصل على قوته إلا بالإغارة على غيره لاستلاب ما عنده من رزق. فلا غرابة إذا ما غلظ شعره وخشن شعوره المتمثل في نظمه، ولأن شعر الحضري في مقابله.

ولم يذكر "ابن سلام" السبب الذي جعل "اليمامة" فقيرة في الشعر، حيث يقول: "ولا أعرف باليمامة شاعرا مشهورا"١، ولا الأسباب التي حملته على القول بعدم وقوفه على شاعر شهير فيها، مع أن "الأعشى" منها، وهو شاعر شهير، والمرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وهما شاعران مشهوران من "قيس بن ثعلبة"، و"قيس بن ثعلبة" من القبائل النازلة باليمامة، وقد ذكرها "ابن سلام" في طبقاته، كما ذكر "المتلمس"، في طبقاته، وهو شاعر معروف من شعراء اليمامة كذلك. ويظهر أنه نسي أسماءهم، لأنه كان يعلم أن الغلبة كانت لبني حنيفة على اليمامة عند ظهور الإسلام، ولم يحفظ الرواة -لسبب لا نعرفه- شعرا لشعراء من بني "حنيفة"، فعمم قوله على كل اليمامة، والحكم بالتعميم شيء مألوف بين أهل الأخبار.

وقد ذهب "الجاحظ" إلى أن "بني حنيفة" أهل اليمامة، كانوا أقل الناس شعرا، إذ يقول: "وبنو حنيفة مع كثرة عدهم، وشدة بأسهم، وكثرة وقائعهم، وحسد العرب لهم على دارهم وتخومهم وسط أعدائهم، حتى كأنهم وحدهم يعدلون بكرا كلها، ومع ذلك لم نر قبيلة قط أقل شعرا منهم. وفي إخوتهم عجل قصيد ورجز، وشعراء ورجازون". وقد أنكر أن يكون ذلك بسبب مكان الخصب وأنهم أهل مدر، أي حضر، وإنما رجع ذلك إلى الطبع، وإلى "قدر ما قسم الله لهم من الحظوظ والغرائز، والبلاد والأعراق مكانها"٢.

ويلاحظ أن علماء اللغة، جعلوا "اليمامة" في جملة الأرضين التي لم يرجعوا إلى لغاتها، فذكروا أنهم لم يأخذوا اللغة "لا من بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وأهل الطائف، لمجاورتهم تجار اليمن المقيمين عندهم"٣، وذلك في الإسلام بالطبع، لأن تدوين اللغة لم يبدأ به إلا في هذا الحين. وهو رأي صحيح، لأن لغات أهل اليمامة متأثرة باللهجات العربية الجنوبية، كما كانت كتابتهم


١ طبقات "٧٠".
٢ الحيوان "٤/ ٣٨٠ وما بعدها".
٣ المزهر "١/ ٢١٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>