فلحق بالحيرة، فكان يتكفف الناس نهاره ويأوي إلى خربة من خراب الحيرة، فبينا هو ذات يوم في تطوافه إذ سمع قائلا يقول:
لحا الله صعلوكا إذا نال مذقة ... توسد إحدى ساعديه فهوّما
مقيما بدار الهون غير مناكر ... إذا ضيم أغضى جفنه ثم برشما
يلوذ بأذراء المثاريب طامعا ... يرى المنع والتعبيس من حيث يمما
يضنُّ بنفس كدَّر البؤس عيشها ... وجود بها لو صانها كان أحزما
فذاك الذي إن عاش عاش بذلة ... وإن مات لم يشهد له الناس مأتما
بأرضك فاعرك جلد جنبك إنني ... رأيت غريب القوم لحما موضما
فكأنه نبهه من رقدة، فتحايل إلى صاحب خيل المنذر، وتقرب إليه، وأظهر له أنه رجل من أهل "خيبر"، أقبل إلى هذه البلدة بجارة فأصاب بها، وله بصر بسياسة الخيل، فضمه إلى بعض أصحابه، حتى إذا وافق غرة من القوم، ركب فرسا جوادا من خيل المنذر وخرج من الحيرة يتعسف الأرض، حتى نزل بحي من بهراء فأخبرهم بشأنه، فأعطوه زادا ورمحا وسيفا، وخرج حتى أتى الشام فصادف الملك متبديا، وكان إذا تبدى لا يحجب أحد عنه، فأتى قبة الملك فقام قريبا منه، وأنشأ يقول:
يا صاحب الخيل الجياد المقربه ... وصاحب الكتيبة المكوكبه
والقبة المنيعة المحجبه ... وواهب المضمرة المرببه
والكاعب البهكنة المؤتبه ... والمائة المدفأة المنتخبه
والضارب الكبش فويق الرقبه ... تحت عجاج الكبة المكتّبه
هذا مقام من رأى مطَّلَبَه ... لديك إذ عمّى الضلال مذهبه
وخال أن حتفه قد كربه
فأذن له الملك، فدخل عليه، وقص قصته، ثم بعث إلى أولياء المقتول فأرضاهم عن صاحبهم١.
١ ذيل الأماني "١٧٩ وما بعدها".