للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن امرأ يمسي ويصبح سالما ... من الناس إلا ما جنى لسعيد١

وروي أيضا أنه قام من جوف الليل فصاح: يا آل الخزرج، فجاءوه وقد فزعوا، فقالوا: مالك؟ قال: بيت قلته فخشيت أن أموت قبل أن أصبح فيذهب ضيعة خذوه عني، قالوا: وما قلت؟ قال: قلت:

رب حلم أضاعه عدم المال ... وجهل غطى عليه النعيم٢

وقد حمل على "حسان" شعر كثير، بسبب تحامله على قريش، فأرادت قريش النكاية به، فوضعت شعرا على لسانه ليحط من مكانته. قال "ابن سلام": "وأشعرهم حسان بن ثابت، هو كثير الشعر جيده. وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد. لما تعاضهت قريش واستبت وضعوا عليه أشعار كثيرا لا تليق به"٣.

وأكثر علماء الشعر أن شعر "حسان" في الجاهلية أقوى منه في الإسلام، قال "الأصمعي": "الشعر نكد يقوى في الشر ويسهل، فإذا دخل في الخير ضعف ولان. هذا حسان فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره. وقال مرة أخرى: شعر حسان في الجاهلية من أجود الشعر. وقيل لحسان لان شعرك أو هرم في الإسلام يا أبا الحسام! فقال للقائل: يا ابن أخي إن الإسلام يحجز عن الكذب، أو يمنع من الكذب، وإن الشعر يزينه الكذب، يعني أن شأن التجويد في الشعر الإفراط في الوصف والتزيين بغير الحق وذلك كله كذب"٤.

وقال "الثعالبي": "من عجائب أمر حسان أنه كان رضي الله عنه يقول الشعر في الجاهلية فيجيد جدا ويغبر في نواصي الفحول ويدعي أن له شيطانا يقول الشعر على لسانه كعادة الشعراء في ذلك ... فلما أدرك الإسلام وتبدل الشيطان الملك تراجع شعره وكاد يرك قوله، ليعلم أن الشيطان أصلح للشاعر وأليق به وأذهب في طريقه من الملك"٥. وما قوة شعر "حسان" في الجاهلية، إلا بسبب قوة شبابه


١ السيوطي، شرح شواهد "١/ ٣٣٥ وما بعدها".
٢ السيوطي، شرح شواهد "١/ ٣٣٦".
٣ طبقات "٥٢".
٤ الاستيعاب "١/ ٣٣٨ وما بعدها"، أسد الغابة "٢/ ٥"، الشعر والشعراء "١/ ٢٢٤"، بروكلمان "١/ ١٥٣".
٥ خاص الخاص "٨٠"، الموشح، للمرزباني "٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>