للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آنذاك، واندفاعه على الشراب وسماع القيان، فلما كبر وشاخ، وذهبت قوة شبابه، وامتنع من الشرب بسبب تحريم الإسلام له، لم تبق له قريحة الشباب، واندفاع ذلك الوقت، فضعف شعره لذلك، وللسن دخل في حيوية الإنسان وفي نتاجه العقلي، ومنه الشعر.

ونسب إلى "الحطيئة" قوله: "أبلغوا الأنصار أن شاعرهم أشعر العرب حيث يقول:

يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل

وقال عبد الملك بن مروان: أمدح بيت قالته العرب بيت حسان هذا"١. وكان حسان قد أدرك النابغة وأنشده، وأنشد الأعشى، وكلاهما قال له إنك شاعر٢. وله حديث مع النابغة.

وُصِف بأنه كان صاحب لسان طويل، "وكان يضرب بلسانه روثة أنفه، من طوله، ويقول، ما يسرني به مقول أحد من العرب، والله لو وضعته على شعر لحلقه، أو على صخر لفلقه"٣. وكانت له ناصية يسدلها بين عينيه٤.

وكان أبو "ثابت بن المنذر" من سادة قومه وأشرافهم، وكان "المنذر" الحاكم بن الأوس والخزرج في يوم "سميحة"، وكانوا حكموا في دمائهم يومئذ "مالك بن العجلان بن سالم بن عوف"، فتعدى في مولى له قتل يومئذ، وقال: لا آخذ إلا دية الصريح، فأبوا أن يرضوا بحكمه، فحكموا "المنذر بن حرام". فحكم بأن أهدر دماء قومه الخزرج، واحتمل دماء الأوس٥.

وكان حسان في أول أيامه يتنقل في الأرض طلبا للمال والعطايا والهبات، فكان يراجع ملوك الحيرة، ويعاود آل غسان وكان هواه مع الغساسنة أقوى منه مع آل لخم، حتى إنه كان يذكرهم بخير ويمدحهم وهو في الإسلام. وقد أكرموه كثيرا، وأنعموا عليه أكثر مما أنعم ملوك الحيرة عليه. والظاهر أن لبعد الشقة


١ الاستيعاب "١/ ٣٣٩".
٢ الاستيعاب "١/ ٣٤٢".
٣ الشعر والشعراء "١/ ٢٢٣"، الفائق "١/ ٥١٢".
٤ الشعر والشعراء "١/ ٢٢٣".
٥ ابن سلام، طبقات "٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>