للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل ابن الفريعة فليمدح الملوك، ومثل ابن زياد فليثن على الملوك"١. وهكذا دبج أهل الأخبار هذا الثناء في كتبهم، وكأن رواتهم قد سجلوه ساعة وقوعه على شريط مسجل.

وتعد قصيدة "حسان":

أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالبضيع فحومل

من جيد شعره، وأشهر قصائده، فهي لينة الألفاظ أسهل فهما من قصائد شعراء الصنف الأول، وفيها من المديح ما يليق بملوك أهل المدر، المتمتعين بأنواع الترف والرفاهية، ثم إن إطناب الشاعر في وصف الخمر يبعد عن أسلوب شعراء أهل البادية، كما يبعد عنه أيضا الافتخار بقومه المقصور في بلاغة خطابهم ووفدهم على أبواب الملوك. وقد أبدع فيها في وصف معيشة ملوك غسان، وفي حياتهم الحضرية التي كانوا يحيونها، كما افتخر فيها بعشيرته الخزرج٢.

وخير شعر حسان هو ما قيل في مدح ملوك غسان. وكان هواه فيهم، وكانوا هم يغدقون عليه العطايا والأموال، ولا يؤخرونه من الدخول إلى مجالسهم، ويؤثرونه بالمودة، فخصص جيد شعره بهم. وقد مدح ملوك الحيرة أيضا، غير أن مدحه لهم، هو دون مدحه لمنافسيهم الغساسنة، الذين كان يكثر التردد عليهم، على حين لم يكن يقصد المناذرة إلا لحاجة شديدة ولطلب. ولعل ذلك بسبب بعد الحيرة عن يثرب، وكثرة ذهاب الشعراء إلى ملوك الحيرة، واستدراج هؤلاء الملوك للشعراء وإغداقهم عليهم، للاستفادة منهم في نشر الدعاية لهم بين الأعراب.

ومن جيد شعره في ملوك الغساسنة قوله:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل

يسقون مَنْ ورد البريص عليهم ... بَرَدَى يصفق بالرحيل السلسل

يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل


١ الأغاني "١٥/ ١٢٣ وما بعدها"، السيوطي، شرح شواهد "١/ ٣٧٩ وما بعدها".
٢ كارلو نالينو "٨٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>