جهنم لا تبقي بغيا ... وعدن لا يطالعها رجيم
ثم استمر في قراءتها، وفي ما جاء فيها من وصف للجنة والنار، ثم أنعم النظر في عبارات هذه الأبيات:
فذا عسل وذا لبن وخمر ... وقمح في منابته صريم
ونخل ساقط الأكتاف عد ... خلال أصوله رطب قميم
وتفاح ورمان وموز ... وماء بارد عذب سليم
وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم
وحور لا يرين الشمس فيها ... على صور الدُّمى فيها سهوم
نواعم في الأرائك قاصرات ... فهن عقائل وهم قروم
على سرر ترى متقابلات ... ألا ثم النضارة والنعيم
عليهم سندس وجياد ريط ... وديباج يرى فيها قتوم
وحلوا من أساور من لجين ... ومن ذهب وعسجد كريم
ولا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا غول ولا فيها مليم
وكأس لا تصدع شاربيها ... يلذ بحسن رؤيتها النديم
تصفق في صحاف من لجين ... ومن ذهب مباركة رذوم١
ثم احكم بعد ذلك على صاحب هذه الأبيات. لقد حاول ناظمها إدخال بعض الكلمات الجاهلية فيها، لإلباسها ثوبا جاهليا، ولإظهارها بمظهر الشعر الجاهلي الأصيل، ولكنه لم يتمكن من ذلك، بل صيرها في الواقع نظما لوصف الجنة والنار في الإسلام. وما بي حاجة إلى أن أحيلك على الآيات التي أخذ منها صاحب هذا الشعر وصفه من القرآن.
ومن الغريب أن بعض الباحثين اتخذ هذا النظم وأمثاله حجة لتبيان عقائد الجاهليين، فذكر مثلا أن العرب في جاهليتها كانت تؤمن بالجزاء، وأن منهم
١ تجد اختلافا في كلمات هذه القصيدة وأبياتها، وكذلك في قصائد هذا الشاعر الأخرى، فارجع في ذلك إلى طبعات ديوانه وإلى كتب الأدب لمعرفة مواضع الاختلاف، كتاب البدء والتأريخ "١/ ٢٠٢ وما بعدها"، ثم ديوانه.