للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقرأ هذه المنظومة، ثم احكم على صاحبها، هل تستطيع أن تقول إنه كان شاعرا مغاضبا للرسول، وأنه مات كافرا، وأن صاحبها رثى كفار قريش في معركة بدر، وأنه قال ما قال في الإسلام وفي الرسول؟ اللهم، لا يمكن أن يقال ذلك أبدا، فصاحب هذا النظم رجل مؤمن عميق الإيمان، هو واعظ ومبشر يخطب قومه فيدعوهم إلى الإسلام وإلى طاعة الله والرسول. إنه مؤمن قلبا ولسانا، مع أنهم يذكرون أن الرسول قال فيه: "آمن شعره وكفر قلبه"، أو "آمن لسانه وكفر قلبه"، ولم يقصد الرسول إيمان أمية بالله وبرسوله، وإنما إيمان لسانه وشعره بالله، وكفره برسوله، إذ لم يؤمن به، فمات على كفره وعنده وبغضه للرسول، ثم إن صاحب المنظومة رجل يتحدث عن وفاة الرسول، ويريد تثبيت الناس على الإيمان به بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، فظهر من تزلزل إيمانه بسبب وفاته، مع أن أمية، كان قد توفي في السنة التاسعة من الهجرة، أي قبل وفاة الرسول، فهل يعقل أن يكون إذن هو صاحبها وناظمها١؟

أليست هذه المنظومة وأمثالها إذن دليلا على وجود أيدٍ لصناع الشعر ومنتجيه في شعر أمية. نحمد الله على أن صناعها لم يتقنوا صنعتها، ففضحوا أنفسهم بها، ودلواعلى مقاتل النظم.

وروي أن بعض الرواة نسبوا إلى أمية بيتا في قصيدة هو:

الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما

وفي القصيدة ضروب من التوحيد والإقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار غير أن العارفين بالشعر ينكرون أن تكون لأمية، وإنما نسبوها إلى النابغة الجعدي، وذكروا أن هذا البيت هو من شعر النابغة الذي كان يتأله في الجاهلية وأنكر الخمر وهجر الأزلام واجتنب الأوثان، وذكر دين إبراهيم٢.

ثم خذ قصيدة أخرى من القصائد المنسوبة لأمية، وهي في وصف الجنة والنار استهلت بهذا البيت:


١ "وكانت وفاة أمية بن أبي الصلت قبل ذلك بيقين سنة تسع من الهجرة"، الإصابة "١/ ٤٩٣"، "رقم ٢٥٩٠".
٢ ابن سلام "١٠٦"، الإصابة "٣/ ٥٠٩"، "رقم ٨٦٤١".

<<  <  ج: ص:  >  >>