للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضاع، كما ضاع شعر الوثنيين إذ لم يرو منه القليل١.

وقد ذهب "ولفنسون" إلى أن السبب في قلة ما وصل إلينا من شعر اليهود في الجاهلية ومن أسماء شعرائهم، إنما يرجع إلى ضعف إقبال اليهود على اعتناق الإسلام. والذي حافظ على القليل الذي وصل إلينا هم اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، ومن تناسل منهم تخليدا لما كان لأجدادهم من مجد أثيل وشرف عظيم. ولو لم يسلم بعض الأفراد من ذرية السموأل، لكان من الجائز عدم وصول أي شيء من شعره إلينا٢.

وذهب "الدكتور طه حسين" إلى أن اليهود قالوا كثيرا من الشعر في الدين وهجاء العرب، وأنهم انتحلوا وصنعوا شعرا لإثبات وجود لهم في الشعر، فنسبوه إلى شعراء يهود، ولكن الرواة العرب لم يحفلوا به فضاع٣.

وقد أدخل "كارلو نالينو" الشعراء اليهود مع الشعراء الوثنيين، وجعلهم في الصنف الأول من أصناف طبقات الشعراء على حسب تصنيفه لهم إلى أربع طبقات وقال: "لا تستغربوا عدم الفرق بين الوثنيين واليهود من أهل البادية ووجوده بين الوثنيين والنصارى من أهل الحضر، لأنكم إذا اطلعتم على ما وصل إلينا من أشعار اليهود قبل الإسلام ما ألفيتم فيها شيئا أو عبارة يميزها عن سائر أهل البادية. فمن طالع مثلا أبيات "السموأل بن عادياء" "مع قطع النظر عن قصيدة واضحة التزوير منسوبة إليه لم تعرف ولم تطبع إلا حديثا" لما توهم أن صاحبها تابع لدين اليهود. والأمر كذلك أيضا في سائر أشعار يهود جزيرة العرب مثل شعبة بن غريض، والربيع بن أبي الحقيق وغيرهما التي اعتنى بجمعها "نولدكه" و "فرانز دلتش" ليس من المستحيل أن ما فقد من أشعارهم "وهو كثير بالإضافة إلى ما حفظ"، قد حوى أشياء مما يختص بدينهم وليس من المحال أيضا أن الرواة المسلمين امتنعواعن نقلها لهذا السبب، ولكن لايجوز لنا الحكم إلا في الموجود المعروف الذي لا يختلف عن شعر أهل البادية الوثنيين لا لغة ولا أسلوبا ولا مأخذا، كأن دينهم لم يؤثر في شعرهم البتة٤.


١ كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "٧١".
٢ تأريخ اليهود في بلاد العرب "٢٤ وما بعدها".
٣ المصدر نفسه.
٤ كارلو نالينو "ص٧١".

<<  <  ج: ص:  >  >>