للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنني أجد من مطالعتي لشعرهم نفسا يختلف عن النفس الذي نجده في شعر شعراء البادية، ذلك هو ميل هذا الشعر إلى التحدث عن المثل الأخلاقية، كالإنصاف والحكم بالعدل، والحلم، والصداقة، واحترام حق الصديق، والاتعاظ بالموت وبحوادث الدهر، وبوجوب الوفاء، خذ الأبيات المنسوبة إلى "الربيع بن أبي الحقيق"، وهي:

سائل بنا خابر أكمائنا ... والعلم قد يُلقى لدى السائل

لسنا إذا جارت دواعي الهوى ... واستمع المنصت للقائل

واعتلج القوم بألبابهم ... بقائل الجود ولا الفاعل

إنا إذا نحكم في ديننا ... نرضى بحكى العادل الفاصل

لا نجعل الباطل حقا ولا ... نلط دون الحق بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدهر مع الخامل١

ففيها إشارة إلى دين يأمر بالعدل والإنصاف، وبعدم مزج الباطل بالحق، ينهى عن الظلم ويأمر بالحق وفيها -إن صح بالطبع أنها من شعرهم- منطق واستماع إلى صوت متظلم، يعمد إلى رفع شكواه إلى المنصفين لإنصافه، فينصف، فأخذ الحق هنا هو بحكم الدين وقواعد العدالة لا بالسيف وبحكم العصبية والأخذ بالثأر، ونجد مثل ذلك في بقية شعرهم، وتحمل هذه الظاهرة المرء على التفكير في سبب ظهور هذا النوع من الشعر، وهل هو شعر جاهلي يهودي أصيل، أم أنه شعر مصنوع، وضع عليهم في الإسلام، لمآرب مختلفة، مثل المأرب الذي حمل الرواة على نسبة القصيدة المشهورة:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل

إلى السموأل، وكذلك بعض الأشعار الأخرى!

وقد ذكر "ابن سلام" أسماء فحول شعراء يهود، فجعلهم: السموأل بن الغريض بن عادياء، والربيع بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وشُرَيح بن عمران، وشُعية بن غريض، وأبو قيس بن رفاعة، وأبو الذيّال، ودرهم


١ ابن سلام، طبقات "٧١".

<<  <  ج: ص:  >  >>