للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وكانت تنوخ في المرتبة الأولى بين عرب البادية الذين عرفوا بالنصرانية قبل الإسلام بزمن طويل. وقامت جماعة تنوخ على أساس حلف عقده بنو فهم وبنو تيم اللات مع قبائل من النزاريين وغيرهم. ومن شعراء تنوخ أسد بن ناعسة التنوخي الذي كان معاصرا لعنترة، وكان مولعا بالإكثار من الألفاظ الغريبة في قصائده، حتى كان الخليل نفسه يتشكك في تفسيرها في كتاب العين"١.

وقد كانت النصرانية واسعة الانتشار على عهد الرسول، في قضاعة، وربيعة وتميم، وطيء، وكان لها أتباع في القرى العربية، وبين الأعراب، وبواسطتهم عرف العرب شيئا عن النصرانية وعن رجالها الذين كانوا يقيمون في البيع، أو يسيحون في البلاد، ويرتحلون مع الأعراب طمعا في تنصيرهم، وفي تعليم المتنصرين منهم أمور الدين. فقد كان بمكة نفر من التجار النصارى، وجماعة من الرقيق الأسود والأبيض، كانوا على النصرانية٢، وكان بيثرب بعض النصارى كذلك، وكذلك بالطائف. أما نجران، فكانت من مراكز النصرانية المهمة في ذلك العهد.

وقد ورد أن "طلق بن علي بن طلق بن عمرو" السحيمي الحنفي، وهو من سادة بني حنيفة باليمامة، كان نصرانيا، فلما ذهب إلى المدينة وشاهد الرسول أسلم أمامه، فلما أراد العودة أخبر رسول الله أن بأرضهم بيعة، فقال له الرسول ولمن معه: "إذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم وابنوها مسجدا"، فكسروا بيعتهم واتخذوها مسجدا، ونضحوها بماء فضل طهور رسول الله، وكانواقد جاءوا به في إداوة، وكان يدير البيعة راهب من طيء، فارتحل عنهم.

وإذا صح هذا البيت المنسوب إلى حسان:

فرحت نصارى يثرب ويهودها ... لما توارى في الضريح الملحد٣

فإن فيه دلالة على وجود نصارى ويهود بالمدينة عند وفاة الرسول.

ونحن لا نستطيع في الوقت الحاضر التحدث عن مدى تغلغل النصرانية في قلوب


١ بروكلمان "١/ ١٢٤".
٢ الاستيعاب "٢/ ٢٣١"، "حاشية على الإصابة"، "طلق بن علي بن المنذر بن قيس ... "، خليفة بن خياط، كتاب الطبقات "٦٥"، ابن سعد، طبقات "٥/ ٤٠٢"، أسد الغابة "٣/ ٦٣".
٣ ديوان حسان "٥٩"، "هرشفلد".

<<  <  ج: ص:  >  >>